(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الأربعاء, 02 حزيران/يونيو 2021 07:51

خلود الفناء!

كتبه  الأستاذ بلال وهب
قيم الموضوع
(0 أصوات)

الأمس بعد أن هدأ الليل جلست إلى شيخي الشيخ محمد الغزالي و ابتسمت قائلا في مزاح: العمر كله يا مولانا.. قد بلغت من العمر خمسا و تسعين سنة و لم تزل موفور الشباب هادر الطاقة ..! و لا يزال اسمك على عرش السادة من أصحاب الفكر و ربائب القلم .. كل عام و أنت بخير يا سيدي ..!

نظر إليّ الشيخ مطرقا صامتا لم يتكلم  و على شفته كأنما طيف من ابتسامته الشهيرة الممزوجة بالألم العميق ثم أكملت أنا ففتحت الغلاف و تركت صورة الشيخ التي عليه ثم شرعت في القراءة ..!!

أعلم يقينا أن الغزالي ثاويا في مرقده ببقيع الغرقد مسجى بين اثنين من أعلام الرسالة فقها و تلاوة – قبر الشيخ الغزالي واقع بين قبر الإمام مالك صاحب المذهب و قبر الإمام نافع صاحب التلاوة – و لقد وقفت على لحده غير مرة و أنا خاشع تغمرني عبرات العين في صمت مهيب ..! غير أني لا أكف كل حين عن محادثته و مناقشته و تكليمه تكليما كأنما أراه كفاحا و يراني ..!

إن فكرة الفناء بعد الموت فكرة غير مستقيمة في كل الأذهان ..! و الخلط بينهما واقع كل حين كأنما الموت و الفناء صنوانان ! و الحق أن الفناء واقع في الأحياء أكثر مما يقع في الأموات و لئن خطف الموت روح حيّ فإنما يثويه في باطن الأرض و لا يفنيه إن كان من أهل الخلود ..!

عرفت الشيخ الغزالي منذ كنت فتى ساذج الفكرة مضطرب الخاطر و كنت أتهيّب طلعته و يساورني خشوع غائر حين أنظر إليه دون أن أتبع سببا .. و كان اسمه يتردد صداه فكأنما جبل مهيب يردد الصدى و يعالجه ! ثم تجرأت يوما فاقترفت شيئا مما كتبه في ( هذا ديننا ) و لا أذكر كم مرة حككت قفاي من روعة البيان و سلامة المنطق و فخامة العقل ..!

حينها ارتبطت أواصري بآصرة الشيخ و أحسست كأنما فُتحت لي كوّة من النور فاخترقتُ منها سُجف العلم المنطقي الذي يُقدّر العقل و يحرضه على إنعام النظر فيه بروية و إنصاف ..!

إن ديمومة الخلود الذي اعترى مولانا الغزالي بعد أن ترك الدنيا كان منطقيا في عالم الفكر و العقلانية ! فالشيخ كان نسيج وحده و قد سبق سبقا بعيدا لهثت بعده الأنفاس و بحّت دونه الحلوق لكي تدرك مراميه و تحذو حذوه ..!

و الرجل كان غائر النظر في الفقه و مقاصد الشريعة فلا يشق له غبار و لا يُطار له في مطار و إن اعتبرنا الغزالي شيخ فقه جليل فإننا نعتبره رجل فكر قدير ..!  و ما جمع الفكر و الفقه أحد إلا النوادر من أولي الألباب و النهى الراسخين ..!!

و الحق أن مولانا الشيخ ظُلم حيا و ميتا و آذاه أعداءه و أصدقاءه على السواء .. و أذى العدو لا يحتاج إلى إنكاره أو استنكاره فهو منطقي مُعلل أما أذى الصديق القريب فإنه أشد مضاضة و أشد على القلب !

خذ مثلا أن المشتهر في عقول الناس و على ألسنتهم أن الشيخ الغزالي كرّس حياته استهزاء بأصحاب ( التدين الفاسد ) كما وصفه رحمه الله و أفنى قلبه و قلمه في محاربتهم أغلظ حرب و نكايتهم أشد نكاية ! و أخذ كل من خالف رأيا أو قال بما لا يماشي هواه يستدل بكلامه و يستشهد بمقاله، بل إن أصحاب العلمانية و النظم الغير الممنهجة بالفكر الإسلامي تنبش كتبه صباح مساء لتصيد تقريعا لهم منه ثم تجعله في وجوههم و تقول لهم شيخكم الغزالي نفسه وصفكم و وصمكم بعار كذا و كذا ..!

و هذا جهل بالشيخ و جهالة به ..! و الداري بالشيخ و القريب منه يعرف جيدا أن الغزالي كان محاربا صنديدا على جبهات و ثغور عديدة و لم يفرغ حياته ليشتم الناس و يهزأ بهم ..!

لقد وقف الغزالي عاري الصدر يدافع عن الإسلام في وجه الإستعمار و كشف عن أنها ( أحقاد و أطماع ) و حصد الصهيونية العالمية في ( حصاد الغرور ) و لعن الإستبداد و الحجر على الناس و ظلمهم لعنا كبيرا و أقام الفروق بين ( الإسلام و الإستبداد السياسي ) و نادى بصوت جهير ( صيحة تحذير من دعاة التنصير ) و لطم الشيوعية لطما عنيفا و أقام ( الإسلام في وجه الزحف الأحمر ) و أضاء النور في وجه الحضارة المادية و هو ينادي ( ظلام من الغرب ) ثم صرع العلمانية في مصارع عدة بدأها ( من هنا نعلم ) و ظل يصرعها حتى قضى نحبه ..!

لقد وقف الغزالي شامخ الرأس يصد بقلمه غارات توالت من الشرق و الغرب و الخارج و الداخل و الصديق و العدو ! و لكم بقي أحيانا وحيدا في النزال يزأر كالليث و يقصف كالرعد ثم تراه يخرج من المعركة منتصب الهامة و هو أشد بأسا و أقوم قيلا !

و يوم أوحى عبد الناصر إلى محمد هيكل أن يسيئ للغزالي أمر هيكل صبيّه الرسام صلاح جاهين أن يسيئ إلى الشيخ الغزالي على صفحات جريدة الأهرام، و افترى جاهين على الشيخ فرسم 14 رسما كاريكاتوريا يسخر بالغزالي و يهين عمامته أشد الإهانة ..! فوقف الشيخ على منبر الأزهر في خطبة شهيرة له يرفع رأسه و يقول ( إن تحت هذه العمامة رأس مفكر كان يحارب الظلم و الإقطاع أيام كان أمثال هذا الكاتب قوادين لفاروق ..! ) و خرجت جماهير غفيرة عقب الصلاة حطمت نوافذ الأهرام فأسقط في يد عبد الناصر و هيكل و أشياعهم و اضطرت الأهرام إلى الاعتذار في اليوم التالي على الصفحة الأولى للشيخ و قدرت مكانته ..!

إن من الجفاء للغزالي حصر فكره و فقهه في معاركه مع ( التدين الفاسد ) و إن كان الصراع معه من الضروريات ! و لكن الشيخ اعترك مع هذا التدين في أواخر عمره لما فرغ من الجبهات المشرعة التي تنال من صميم المنهج و رب الوحي ..! و هذا سر خلود ما كتب الغزالي رغم فناءه ! فإن الاستدلال به مسعف في كل المعارك و جذالة العبارة و بُعد النظر و سلامة العقل تأسر مريده كأن ما كتبه الغزالي من عدة عقود هو مشاهد هذا اليوم و أحداث هذا النهار ..!

لقد فهم الغزالي منهج النبي محمد صلى الله عليه و سلم فهما بعيد المعنى و تحرك به في سره و جهاره و ليله و نهاره حركة مبصرة دؤوب جعلت الفروق بين الأصل و الفرع واضحة كل وضوح سليمة كل سلامة فألهمته السماء الحكمة و حسن الخطاب و كتبت الخلود له رغم موته ..!

لقد درج على هذه الأرض فقهاء و علماء و مفكرين لا يحصيهم إلا الله غير أن الغزالي يبقى نجما ساطعا في السماء لا يدانيه إلا القليل ! و أتى على الحركة الإسلامية مفكرين و مؤلفين لا يحصيهم إلا الله غير أن الغزالي يبقى سيدهم و تاج رؤوسهم ..لكن .. لو أنهم عرفوه ..!!

الرابط : http://feker.net/ar/2012/09/30/12459/

قراءة 674 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 02 حزيران/يونيو 2021 08:58