(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
Print this page
Wednesday, 02 September 2015 09:02

التوافق المجتمعي

Written by  الدكتور محمد موسى الشريف
Rate this item
(0 votes)

هذا موضوع مهم و خطير؛ خاصة في هذا الوقت الذي تموج فيه بعض البلاد العربية بالتغيير المفاجئ و القوي و السريع، و أعني بالتوافق المجتمعي أن يجتمع كثير من الناس في كل بلد إسلامي على كلمة سواء فيها حد أدنى من التوافق على ثوابت لا يصح الاختلاف فيها و لا التنازع حولها، و إنما قلت ذلك لأن البلاد التي تحررت من الطغيان تموج بالخلافات التي تكاد تعصف بها، و بعض البلاد العربية التي لم تتعرض للتغيير و لا الثورة أيضاً تموج بالخلافات و تعصف بها النـزاعات، و هذا خطر كبير على كل تلك المجتمعات فلابد من التدارك قبل أن نخسر كثيراً.

أركان التوافق الاجتماعي :

في كل بلد هنالك أركان يعتمد عليها المجتمع - بعد الله سبحانه و تعالى - و هي:

1. الحكام.

2. العلماء.

3. الدعاة.

4. التجار.

5. الوجهاء.

6. الإعلاميون.

أما العلماء و الحكام فهم أولياء الأمور الذين وردوا في قول الله تعالى: (ياأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولى الأمر منكم) و قد فسر كثير من المفسرين (و أولى الأمر) بأنهم العلماء و الحكام، و هما أشد أركان المجتمع تأثيراً فيه.

ثم يأتي من بعد ذلك الدعاة إلى الله تعالى الذين هم صِمَام الأمان في كل مجتمع، و هم الذين مدحهم الله -تعالى- في كتابه بقوله سبحانه (و من أحسن قولا ممن دعا إلى الله و عمل صالحاً و قال إنني من المسلمين).

ثم يأتي بعدهم الإعلاميون الذين يؤثرون في المجتمع أشد التأثير بما يبثونه فيه من أخبار و قصص و أعلام و تمثيليات و عواطف و أشواق و آمال و آلام، و لهم تأثير منتشر لا يُنكر في التفاز و القنوات الفضائية و الإذاعات و الجرايد و المجلات إلى آخر تلك الوسائل.

و من بعدهم يأتي وجهاء المجتمع و رواده من أطباء و مهندسين و محامين و مدرسين و غيرهم من الموظفين من غير الفئات الماضية، و تأثيرهم منبعث من صلتهم بالمجتمع و أفراده كلٌّ في مجاله.

و من بعدهم يأتي التجار و رجال الأعمال من غير الفئات السابقة بما لهم من أثر بالغ في إثراء المجتمع و إغنائه و قيام المشاريع النافعة فيه.

أما غير هؤلاء المذكورين فهم تبع - في العادة- لمن ذكرتهم.

ـ هذه الأركان إن اجتمعت في أي مجتمع على حد أدنى من التوافق كان ذلك من سعادة هذا المجتمع و عناية الله تعالى به.

ما هو الحد الأدنى المطلوب في التوافق الاجتماعي؟

الحد الأدنى المطلوب في التوافق الاجتماعي هو التالي، في ظني و تصوري، و الله أعلم :

1. الإسلام هو العقيدة التي يجب اعتقادها و التمسك بها لقوله تعالى: (و من يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين) و إذا وجد في أي مجتمع إسلامي طوائف من غير المسلمين فهي خاضعة لحكم الإسلام السمح فلا ظلم واقعاً عليها و لا حيف و لا مصادرة لحقوق.

2. أحكام الإسلام هي التي يجب أن يحتكم إليها أفراد المجتمع من المسلمين، و في ذلك قال تعالى :(فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما) و قال تعالى : (و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)

3. الإسلام له اليد العليا، و هو الموجه الأوحد في جميع الجوانب الحاكمة للمجتمع و ذلك في الجوانب السياسية و الإعلامية و الاقتصادية … إلخ.

4. محاربة الفساد الخلقي، و السلوك السيء، فليس في المجتمع الإسلامي مكان للفواحش و الموبقات، و لا يسمح فيه بإساءة استعمال الحريات.

فإذا اتفق أركان المجتمع على ذلك المذكور آنفاً عاش المجتمع في أمان و رضا و سكينة و طمأنينة، و أما إذا اختلف أركان المجتمع فيحصل الفساد في المجتمع بقدر ما يحصل من خلاف بين أولئك و نزاع و شقاق.

أما الخلافات التي يمكن تجاوزها في هذا التوافق المجتمعي فهي - على سبيل المثال-:

1. الخلافات الفقهية المعتبرة بين الفقهاء، فمن سلك من الناس سبيلاً له فيه سند فقهي معتبر و لو خالف فيه الآخرين فلا ينبغي التشنيع عليه و لا التشهير.

2. الخلافات الناشئة عن سوء الفهم لنصوص شرعية أو تاريخية و ليس عن قصد المخالفة للكتاب و السنة و لا إرادة الفساد في المجتمع فهذه الخلافات يُنصح أصحابها و يُبين لهم الحق لكن بدون تشنيع أيضاً و بدون تشهير لأن هؤلاء أصحاب نيات حسنة و إن ساءت أعمالهم.

3. بعض المعاصي التي يقترفها الشخص و لا يعلنها و لا يروج لها بل هي بينه و بين الله تعالى فإنه ينصح و يوعظ لكن لا يُشَهّر به و لا يشنّع عليه و لا يُفضح بسببها.

ـ و لو سار المجتمع على هذا النحو لنشأ فيه توافق مجتمعي رائع جليل يُحافظ به على بنية المجتمع و تماسك أفراده.

ـ و لا يطمعنّ طامع أبداً أن يسود هذا التوافق جميع طبقات المجتمع المذكورة آنفاً بل سيبقى أشخاص كثيرون خارج هذا التوافق، رافضين له، و تلك طبيعة أي مجتمع بشري، لكن حسبنا أن نصل في هذا التوافق إلى الأغلبية التي هي نصف المجتمع فصاعداً، إن صنعنا هذا فقد تجاوزنا القنطرة و حللنا العقدة في أي مجتمع.

كيفية عمل هذا التوافق:

يمكن البدء بهذا التوافق في المجتمعات التي فيها وئام بين الحكام و سائر أفراد المجتمع، و هذه هي الصورة المثالية للتوافق أي أن يدعو الحكام الآخرين إلى عقد هذا التوافق المجتمعي، و هناك أمثلة على هذه المجتمعات، التي يمكن أن يبدأ فيهما هذا التوافق بدعوة الحكام إليه و هو المجتمع المصري في وضعه الراهن، و المجتمع السعودي فيما يعرف بجلسات الحوار التي تنعقد فيه بين الفينة و الأخرى بشرط أن يُحْسن اختيارُ المتحاورين و أن يمثلوا أركان التوافق المجتمعي و أن يخرجوا بوثائق مكتوبة.

أما المجتمعات التي ليس بين حكامها و سائر أفرادها وئام فينبغي أن يدعو العلماء الدعاة و سائر أفراد المجتمع لتحقيق هذا التوافق، و لا ينبغي أن يُتوقف طويلاً مع الرافضين بل من استجاب لهذا التوافق فحيّهلا به، و من رفض فليُبحث عن غيره.

أما الشيعة في المجتمعات الخليجية و الطوائف غير الإسلامية في المجتمعات العربية فيمكن أن تُدعى إلى التوافق المجتمعي لكن بشرط أن تخضع للأركان الأربعة التي سبق أن ذكرتها آنفاً، أما شعائر تلك المذاهب و الطوائف، و الحقوق الاجتماعية التي لهم فيعطونها على مقتضى أحكام الشرع المطهر فلا مجاملة و لا ظلم، و الشريعة و أحكامها تسع الجميع، و لا تحيف على أي أحد.

كيفية إقامة كيان يعبر عن التوافق المجتمعي :

في ذلك طرائق و أمثلها أن تختار كل فئة من الفئات التي تكوِّن أركان التوافق المجتمعي بضعة أفراد يمثلونها في مجلس أعلى منتخب، و إما أن يُختار هؤلاء من قبل الحكام، أو يحصل توافق عليهم بصورة من صور التوافق المعروفة، و الأفضل و الأمثل هو الخيار الأول.

و هذا المجلس التوافقي -إن صح التعبير- يضع الخطوط العريضة للحد الأدنى من التوافق، مع الخوض في التفصيلات الكفيلة بضبط مساره، و يناقش ما يمكن عده مقبولاً و ما لا يمكن، إلى أن يخرج بوثيقة تكون ممثلة لجميع أركان هذا المجتمع، و يمكن طرح ذلك في استفتاء شعبي فإذا صوت عليه 50% فأكثر من الشعب صار ذلك ملزماً للناس أجمعين، و الإلزام هنا أدبي إلى أن تتبنى تلك الوثيقة الدولة عن طريق مجالسها التنفيذية و التشريعية و القضائية.

و لئن قال قائل: إن تكوين مجالس على هذا الوجه إنما هو برلمان آخر، فأقول لا ليس الأمر كذلك؛ لأن البرلمان قد ينحصر فيه التمثيل ببعض أركان التوافق الاجتماعي، ثم إن البرلمان له مهام رقابية و تشريعية ليست من اختصاص مجلس التوافق هذا.

هذه بعض الأفكار و التصورات الأولية في مسألة التوافق المجتمعي، و حسبي أني طرقت هذا الباب، و بدأت هذه المسألة، التي لا زالت بحاجة إلى نظر فاحص، و إنضاج و تحسين، و الله أعلم.

 

الرابط:

https://www.facebook.com/mhmaltareekh/posts/10153190921315507

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

http://www.altareekh.com/article/view/8191-

Read 3510 times Last modified on Friday, 04 September 2015 06:36