قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

Monday, 29 April 2024 07:42

عندما يحكم الملحدون.. الجذور الأيدلوجية لحرب الصين على الإيمان والمسلمين

Written by  الأستاذ حسن قطامش
Rate this item
(0 votes)

المهتمون بأحوال الأقليات المسلمة غالبا ما علموا و سمعوا و تابعوا التصاعد العنيف في تعامل الصين مع المسلمين الإيغور خاصة بعد تولي الرئيس الحالي (شي جين بينغ) مقاليد السلطة في 2012م، لكن هذه المعرفة غالبا ما كانت عامة أو إدراكا لهامش الأحداث، دون الوقوف على تفاصيل الإبادة الجماعية لشعب يزيد عن 25 مليون مسلم سني يتعرضون لأبشع و أقسى و أقصى درجات المحو الديني و العرقي و الثقافي، بحيث إن أفعال هتلر و ستالين و الكيان الصهيوني قد تتضاءل إذا قورنت بأفعال الدولة الصينية مع المسلمين الإيغور.

 لكن المسألة الأخرى الأكثر خفاءً، هي الأبعاد و الخلفيات و الجذور الأيدلوجية المحركة و الدافعة و المحفزة للدولة الصينية للقيام بهذه الجرائم و هذا الاضطهاد البشع، و الأنظمة و القوانين و التطبيقات العملية التي تحوِّل هذه الأيدلوجيا إلى سلوك عملي يتسم بالعنف الممنهج تجاه المسلمين الإيغور على وجه الخصوص.

لذلك سوف نستعرض في هذه الدراسة هذا الجانب و هذه الأبعاد، لفهم الدوافع العقدية و الأفكار الفلسفية التي تقف وراء هذه الجرائم، و أنها ليست مجرد صراع سياسي، أو مواجهة مزعومة لإرهاب أو تطرف، أو هدف اقتصادي صيني كبير يتطلب إخضاع سكان أقصى غرب الصين لأجل تحقيقه.

منذ بداية الثورة الفرنسية عام 1789م تعرض الدين و المؤسسات الدينية في أوروبا و حول العالم للهجوم، و تم التشكيك في مكانة الدين في تنظيم المجتمع و أهميته و تأثيره على الأفراد و الدولة بشكل لم يسبق له مثيل، فتعامل «الثوار» مع رجال الدين على أنهم «ملاك أراضٍ» و«طفيليات» على جسد الأمة الفرنسية، في ذلك الوقت، لم يُسمع ضجيج «الشك الديني» (الإلحاد) إلا من حفنة قليلة.

 

لكن في القرن التاسع عشر، توسعت العداوة ضد الكنيسة، فوصلت إلى الإيمان المسيحي بشكل عام، و ظهر دعاة علمانيون جدد، مفكرون و سياسيون و فلاسفة، صنعوا رؤى أيديولوجية تستند إلى (الداروينية) الملونة سياسيا، و على الرغم من أن عقائدهم هذه كانت مجرد نظريات، إلا أنهم دافعوا عنها بحماسة كأنه دفاع عن دين، و في ظل الثورة الصناعية و التقدم الهائل للعلوم و التكنولوجيا، ادَّعَوا ملكية كل إنجاز بشري، و شنوا حربا من أجل قلوب و عقول الناس، بحجة أن العلم و الدين عدوان عنيدان.

 

في عام 1917م استولى الشيوعيون على السلطة في روسيا، و كان لدى البلاشفة الإيمان الكافي بالأيديولوجية الماركسية، التي رفضت الحاجة إلى المؤسسات الدينية و المعتقد الديني، و في القرن العشرين، تبنَّت جميع الحركات الوطنية في مرحلة ما بعد الاستعمار تقريبا الماركسية العلمانية المعادية للدين كأيديولوجية لها.

في القرن العشرين، كانت الماركسية أيديولوجية مهيمنة، إن لم تكن منتصرة و غالبة في الغالب في الشرق الأوسط و أفريقيا و أمريكا اللاتينية و آسيا، حين تبنتها النخب الوطنية الجديدة و حوَّلتها لتناسب أجنداتها السياسية الخاصة.

و كانت الصين من بين الدول التي اعتنقت الماركسية و سلالتها البلشفية الثورية اللينينية، لصناعة تحديثها و استقلالها المفقود، واليوم، الصين هي القوة العالمية الوحيدة التي لا تزال فيها الأيديولوجية الماركسية اللينينية موجودة بمنأى عن التراجع الشيوعي.1

و كان من أقوال (ماو تسي تونغ) مؤسس جمهورية الصين الحديثة عام 1949م في (الكتاب الأحمر): «إنَّ نظريات ماركس و إنجلز و لينين و ستالين، صالحة للعالم أجمع، فلا يجوز لنا أن نعتبر نظرياتهم عقيدة جامدة، بل علينا أن نعتبرها مرشدا للعمل، و لا يجوز لنا أن نكتفي بمجرد تعلم بعض العبارات و الأقوال من الماركسية-اللينينية، بل يجب أن ندرس الماركسية اللينينية بوصفها علم الثورة، و إن نواة القوة التي تقود قضيتنا هي الحزب الشيوعي الصيني، و الأساس النظري الذي يرشد تفكيرنا هو الماركسية-اللينينية، فالشيوعية نظام كامل للإيديولوجية البروليتارية، و هي في نفس الوقت نظام اجتماعي جديد، و هذا النظام الأيديولوجي و الاجتماعي يختلف عن أي نظام أيديولوجي و اجتماعي آخر، فهو أكثر النظم كمالا و تقدّمية و ثورية و منطقية في التاريخ الإنساني».

 

يقول الكاتب الأمريكي الهندي الأصل (دينيش ديسوزا): «ارتُكبت جرائم الإلحاد عموما من خلال أيديولوجية متغطرسة، ترى أن الإنسان هو صانع القِيم و ليس الله، فباستخدام أحدث تقنيات العلم و التكنولوجيا، يسعى الإنسان إلى «تهجير الله» و خلق جنة العلمانية هنا على وجه الأرض، و بطبيعة الحال إذا كان هناك بعض الناس غير الأكفاء فيجب «القضاء عليهم» من أجل تحقيق هذه المدينة الفاضلة، هذا هو الثمن الذي أبدى الطغاة الملحدون استعدادهم لدفعه، و هم هنا يؤكدون مقولة الروائي الروسي فيودور دوستويفسكي: «إن لم يكن هناك إله، فكل شيء مباح».2

و في هذا السياق قال (ماو تسي تونغ): «من مبادئنا العسكرية: أن يكون الهدف الرئيسي هو إبادة قوات العدو كلّيا دون أن يتمكَّن واحد منها من الإفلات، لأنّ مسألة “استئصال” العناصر المعادية للثورة.. هي مسألة نضال». 

هذه التيارات الفكرية هيّأت الأرضية الثقافية المناسبة لاستقبال أفكار (داروين) التطورية، ليس في جزئها العلمي، بل في توظيفها الاجتماعي، الذي يقوم إلى حقيقة أن البشر و الثدييات الأخرى هي نتيجة لما أسماه «الانتقاء الطبيعي» أي الصراع الأعمى الذي يبقى فيه الأصلح و الأقوى فقط، و نتيجة لذلك يموت الأضعف و الأقل ملاءمة، و كما يوظف السياسيون المصالح و الأفكار المادية لخدمة مساعيهم دون أي اعتبار أخلاقي.

صنعت أفكار (داروين) جيلا جديدا من القادة السياسيين و المفكرين الاجتماعيين و العلماء، و اعتبروا أفكاره مبررا بيولوجيا ماديا للهيمنة، كما قال أستاذ التاريخ ريتشارد فيكارت: «الداروينية وحدها لم تنتج النازية، لكن بدونها لم يكن هتلر و أتباعه النازيون، ليدعموا فظائعهم الوحشية بما يكفي من أدلة علمية لتحويلها إلى أفعال أخلاقية».3

أثر الإلحاد.. قتل و خراب

و إذا انتقلنا على التطبيقات العملية لهذه الأفكار و طرحنا السؤال التالي: من هو أكبر وأبشع قاتل جماعي في القرن العشرين؟ سيكون الجواب البديهي غالبا: (هتلر) و ربما «ستالين»! لكن في تعداد أسوأ 10 قتلة و مُبيدِين للبشر في التاريخ البشري الحديث و المعاصر، احتل ستالين المرتبة الثانية، و احتل هتلر المرتبة الثالثة، أما الأسوأ على الإطلاق والذي تصدر قائمة أبشع القتلة، فكان (ماو تسي تونغ) مؤسس جمهورية الصين الشعبية عام 1949م! و تظهر قائمة أكبر القتلة جماعيا، أن نصف هؤلاء كانوا من الملاحدة الشيوعيين و هم:

 
  • التاسع: منغستو هايلي مريم – إثيوبيا (400 ألف – 1.5 مليون حالة قتل).
  • الثامن: كيم إيل سونغ – كوريا الشمالية (1.6 مليون حالة قتل).
  • السابع: بول بوت -كمبوديا (1.7 مليون حالة قتل).
  • الثاني: جوزيف ستالين – الاتحاد السوفيتي (23 مليون حالة قتل).
  • الأول: ماو تسي تونغ – الصين (49-78 مليون حالة قتل).4
  • و قد قام (نفيد شيخ) أستاذ العلاقات الدولية و المحاضر بجامعة (كيل) البريطانية، في عام 2009م بنشر دراسة مهمة بعنوان: (تعداد القتلى: استعراض كمي للعنف السياسي عبر الحضارات العالمية)، قام فيها بمراجعة كل الحروب التي جرت بين الدول، بما في ذلك الحروب الأهلية و المذابح العرقية و الجماعية و غيرها من الأحداث العنيفة، التي تجاوز عدد القتلى في الحدث الواحد منها عشرة آلاف قتيل، و حلل هذه الأحداث التي جرت منذ العام الأول الميلادي إلى العام 2008م الميلادي. 

     

    حصر (نفيد شيخ) (276 حدثا) عنيفا ضخما خلال هذه الفترة الزمنية الكبيرة (2008 سنة)، ثم قام بتصنيف ديانات العالم إلى سبع ديانات و حضارات رئيسية: (الملاحدة، البوذية، المسيحية، الهندوسية، الإسلام، البدائية، الصينية)، و جاءت نتائج الدراسة مثيرة للاهتمام، حيث تصدرت الحضارة المسيحية كأكبر من تسبب في إزهاق أرواح البشر، و تبعها مباشرة في المركز الثاني الملحدون بحصاد للقتلى يتراوح بين (97 إلى 153 مليون) قتيل، و هو ما يناقض تماما الدعاية لفردوس «السلام الإلحادي» الذي يمثل رسالة سامية جاءت لتنقذ الناس من عنف الأديان!5

     

    و على الرغم من أن «الحضارة المسيحية» قد احتلت الصدارة بعدد قتلى يتراوح بين (120 إلى 237 مليون) قتيل في الفترة ما بين العام الأول للميلاد وعام 2008م، فهذا يعني أن فترة القتل الزمنية امتدت 2008 سنة، أما الفترة التي قتل فيها الملاحدة ما بين (97 إلى 153 مليون) إنسان، فلم تتجاوز 100 سنة فقط! أي لو أعدنا الترتيب حسب نسبة القتل مقارنة بالفترة الزمنية، لَتربع القتلة الملحدون في صدارة قائمة التوحش عبر التاريخ الإنساني بلا منازع، و لَكان أبشعهم على الإطلاق ملاحدة الصين.

     

    و الشيوعية الصينية، مثل أي أيديولوجية سياسية راديكالية، هي دينية بطبيعتها، فالماركسية اللينينية هي أيديولوجية تعزز ديكتاتورية و سيادة مجموعة اجتماعية واحدة، أو حزب واحد، على جميع الآخرين، و لا تتسامح مع التعددية السياسية أو الاقتصادية.

     

    لا تقبل النخب السياسية الشمولية و الاستبدادية التي تتبنى الماركسية كأيديولوجية لها «فكرة الله»؛ فإله الدولة الماركسية هو الحزب و أيديولوجيته وزعيمه، و كل شرعية للسلطة تنبع من هذه المراكز الثلاثة: (الحزب-الأيديولوجية-الزعيم) وقادة الحزب هم أساقفته، و الناشطون السياسيون و الكوادر هم كهنته و شَمامِسَته.6

    و الحزب الشيوعي الصيني (CCP) ملحد رسميا، و يحظر على المؤمنين الدينيين الانضمام إليه، و يسمح الدستور الصيني بممارسة «الأنشطة الدينية العادية» فقط، التي يتم تعريفها بشكل ضيق على أنها: الممارسات التي تتم في الأوقات و الأماكن التي توافق عليها الدولة و التي تدعم الحكومة و سياساتها، و تؤمن هذه العقيدة بأن الأديان هي ابتداعات بشرية بحتة، و أن الله و الكائنات الخارقة للطبيعة الأخرى غير موجودة. و بدءا من الصفوف الأولى، يتعرض الطلاب الصينيون للدعاية المعادية للدين، يتعلمون أن الدين هو «خرافة إقطاعية» من بقايا الماضي التي تعيق البلاد، و هو المسؤول عن العديد من مشاكلها.

    أعلن ماو تسي تونغ (1893م- 1976م) الزعيم الأعلى للصين بعد ثورة 1949م حتى وفاته، أنه نظرا لأن الناس المتخلفين مرتبطون بأديانهم، فليسمح الحزب لهم بممارسة محدودة الظهور، وفقا لغايات الحزب المحددة سلفا، مع مساعدة و توجيه إضافيين في شكل دعاية و تعليم في العلوم و العقلانية.

    و لطالما كان للدين والدولة علاقة مثيرة للجدل في الصين، ولكن التهديد الأخير لها جاء مع زوال الاتحاد السوفييتي و تحرير الأراضي التي احتلها في أوروبا الشرقية، و هي الأحداث التي احتُفل بها في مختلف أنحاء العالم باعتبارها انتصارا للحرية، و لكن قادة الصين اعتبروها كارثة عالمية، فكانت الإطاحة بالنظام السوفيتي تعني نبذ نوع الماركسية اللينينية التي لا تزال العقيدة الرسمية لجمهورية الصين الشعبية حتى اليوم.

    فأرسل الحزب الشيوعي الصيني باحثين إلى روسيا و بولندا لتحديد الخطأ الذي حدث هناك، و مع ذلك، منعت أيديولوجية الحزب أي شخص من مناقشة المشاكل الرئيسية، مثل القمع و الركود الاقتصادي و أهوال معسكرات العمل السوفيتية، و بدلا من ذلك، كان الاستنتاج المعلن هو أن «الدين» هو المسؤول! لم يكن لزخم الثورة في أوروبا الشرقية أي علاقة بالعيوب في تنفيذ الماركسية اللينينية، بل كان يكمن في استمرار «الإيمان الديني»، و بالتالي، فإن السياسات الدينية الحالية للحزب الشيوعي الصيني، هي امتداد للدروس المستفادة من تحليل تاريخ الصين، و زوال الدول الماركسية الأوروبية المتحالفة أيديولوجيا.7

    إلحاد الدولة..و الإرث الدموي
     

    «إلحاد الدولة» يعني: دمج «الإلحاد الشديد» أو «عدم الإيمان» في الأنظمة السياسية، و يشير إلحاد الدولة إلى مناهضة الحكومة لرجال الدين، و معارضة السلطة للمؤسسة الدينية و تأثيرها في جميع جوانب الحياة العامة و السياسية على وجه الخصوص، بما في ذلك إشراك الدين في الحياة اليومية للمواطن، و قد اتبعت غالبية الدول الشيوعية سياسات مماثلة منذ عام 1917م فصاعدا. 

     

    فجمهورية الصين الشعبية دولة ملحدة رسميا منذ عام 1949م و يحكمها الحزب الشيوعي الصيني، الملحد رسميا، و يحظر على أعضاء الحزب ممارسة الشعائر الدينية أثناء وجودهم في مناصبهم و بعد تقاعدهم منها.

    و مع تبني الصين الإلحاد رسميا كدين سياسي مؤسسي للدولة، لم تتسامح السلطة المركزية في الصين مع الأديان و المعتقدات التقليدية، و مع أن المادة 88 من الدستور الأول لجمهورية الصين الشعبية تنص على أن «المواطنين في الصين يتمتعون بحرية المعتقد الديني» لكن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني تفسر هذه المادة كما يلي:

    1. الناس الذين يؤمنون بدين لديهم الحرية.
    2.  يتمتع الأشخاص الذين لا يؤمنون بدين ما بالحرية، بما في ذلك حرية أن يكونوا ضد الدين.
    3.  للناس حرية تغيير المعتقد الديني.
    4. فيتمتع الملحدون بـ«الحرية» في أن يكونوا ضد الدين، مما يعني أنه يمكنهم مهاجمة المتدينين أو السخرية منهم، على العكس من ذلك، يتمتع المؤمنون بالحرية، لكن ليس لديهم الحق المنصوص عليه صراحة للدفاع عن إيمانهم، ضد إهانات أولئك الذين لا يحترمون رغبتهم في العبادة، و هكذا، و بطريقة خفية، تُشجع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، أو على الأقل، تفتح الباب أمام الأعمال و الدعاية المعادية للدين.

    5. يتعامل الحزب الشيوعي مع الدين و الممارسات الدينية أحيانا بقبضة حديدية في قفازات مخملية، و أحيانا بعداء مفتوح، و اليوم، الحكومة الشيوعية متيقظة ضد أي علامة على وجود معارضة مستوحاة من الدين أو الإيديولوجيا، فتعمل بلا كلل لتثقيف المجتمع و تلقينه و استيعابه في طقوس الدولة و معتقداتها، فتطالب بالولاء التام لعقيدتها، و تعاقب «الخونة» لها بلا رحمة.10

      الإصلاحات الدموية!

    6. الحزب الشيوعي الصيني بزعامة (ماو تسي تونغ) و بعد الانتصار في الحرب الأهلية على قوات الحزب الحاكم، أعلن قيام جمهورية الصين الشعبية سنة 1949م، و بنجاح الثورة الشيوعية في الصين انطلقت عملية الهندسة العميقة لهياكل الدولة و مؤسساتها، وفق تعاليم الماركسية اللينينية المعادية للقومية و الإمبريالية و للإقطاعية و للعقائد الدينية، التي يعتقدون أنها تشكل عائقا نحو إنشاء المجتمع الشيوعي.

    7. فتم إعلان حرب بلا هوادة على البنى الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، و خاصة الدين، الذي اعتبروه رمزا للإقطاعية و الرجعية و عائقا أمام الثورة، و بالتالي، لا بد من القضاء عليه بصفة نهائية و اجتثاث دوره من الحياة العامة، فأصبحت كل الرموز الدينية و المعابد و رجال الدين هدفا مشروعا لحملات التصفية و القمع، و تحركت آلة الدعاية الجبارة لترويج الفكر الإلحادي المعادي للدين، و أيقن الشيوعيون بزعامة (ماو تسي تونغ) أن التحديث و اللحاق بالغرب و تقليص الفجوة الحضارية معه، تفرض تعبئة كل الموارد المتاحة و أهمها العنصر البشري، و ألا سبيل إلى ذلك إلا بتطبيق مبادئ الاشتراكية، و لا يمكن لهذا أن يتم إلا بإعادة تشكيل الوعي الجماعي، و ملء الفراغ الروحي، و شحذ الحماس الثوري بصياغة عقيدة جديدة للشعب الصيني. و خلال فترة حكم (ماو تسي تونغ) شهدت البلاد العديد من المحطات البارزة التي رأوا أنها تدعم تحقيق هذه الأهداف، و لعل أكثرها جدلا على الإطلاق تجربتا «القفزة العظيمة إلى الأمام» و«الثورة الثقافية».11

    8. القفزة العظيمة إلى الأمام

      أما مبادرة «القفزة العظيمة إلى الأمام» بين عامي 1958م و1962م فكانت فكرة وبرنامج (ماو تسي تونغ) لتحويل الصين إلى جنة شيوعية، و حملة كبرى تهدف إلى تطوير الصناعة في الصين، بالتوازي مع الزراعة، لتجاوز إنجاز الغرب و للتفوق على بريطانيا العظمى، أما الثورة الصناعية، فكان الهدف منها هو التعبئة الجماعية للعمالة لتحسين الإنتاج الزراعي و الصناعي، و بدلا من ذلك، كانت النتيجة انخفاضا هائلا في الإنتاج الزراعي، و فشلا ذريعا لهذه الحملة، أدى إلى تجويع واحد من كل عشرين صينيا، فما بين عام 1960م و عام 1962م تراوحت تقديرات الوفيات المرتبطة مباشرة بالمجاعة بين 23 مليونا كحد أدنى إلى 55 مليونا، على الرغم من أن الرقم الذي يتم الاستشهاد به في أغلب الأحيان هو ثلاثون مليون شخصًا ماتوا من الجوع في الصين، و تُعد هذه المجاعة على أيدي ملاحدة الصين أكبر من أي مجاعة أخرى سُجلت في تاريخ البشرية.

    9. بحلول صيف عام 1960م و مع تضاؤل الاحتياطيات الغذائية في الريف، بدأ الفلاحون يموتون بأعداد كبيرة، فكانوا يتساقطون موتى في الحقول و على جوانب الطرق و في منازلهم، و كان الناس يشاهدون جثث أفراد عائلاتهم تتعفن أمامهم، فتقوم بعض العائلات بإخفاء رفات الأقارب في المنزل، حتى يتمكن الأحياء من الحصول على الحصص الغذائية للمتوفى، و دفعت المحنة الجائعين إلى أكل أوراق و لحاء الأشجار، و غلْي الجلود و أكل التراب، و نظرا لانتشار الجوع و الجثث المنتشرة في كل مكان، فقد تحوَّل البعض إلى أكل لحوم البشر، و في بعض الأحيان كان الأشخاص، و خاصة الأطفال، يُقتلون عمدا ليُؤكلوا، و كان القرويون يتبادلون أطفالهم لتجنب أن يأكلوا أولادهم!12

      لرفع الروح المعنوية للمثقفين.. اقتلهم!

    10. بعد الفشل الذريع لتجربة «القفزة العظيمة إلى الأمام» و اتهام (ماو تسي تونغ) بالمسؤولية عن المجاعات الكبرى المترتبة عنها، أدرك أن زعامته داخل الحزب على المحك، و أحس بتراخي قبضته و ضمور شعبيته، فأعلن عام 1966م عن حملة جديدة تحت شعار «دع مائة زهرة تتفتح و مائة مدرسة تتبارى» لرفع الروح المعنوية للمثقفين بإبداء آرائهم بحرية، من أجل ضمان مشاركتهم في بناء صين جديدة.

    11. و كان هذا الشعار إيذانا بإطلاق ما عرف بـ«الثورة الثقافية»، لكن عندما خرجت الأمور عن السيطرة، و شكك المثقفون في حكم الحزب و سياسات الزعيم، انقلب (ماو تسي تونغ) ضد النخبة المثقفة التي شعر أنها خانته، فأدخل البلاد في 10 أعوام عجاف، سعى فيها (ماو) إلى تطهير البلاد من العناصر «غير النقية» و إحياء الروح الثورية، فقام «بهز شجرة الصين بعنف، كي تتساقط جميع أوراقها الصفراء»، و لكي تحافظ الصين و ثورتها على ديمومتها و استمراريتها، اعتقل ملايين المثقفين و المسؤولين الحكوميين، و تم إرسالهم إلى الريف للتعلم من الجماهير! و القيام بالأعمال الشاقة، و تحوّل شعار (ماو) مِن «دع مائة زهرة تتفتح و مائة مدرسة تتبارى» إلى «العمل القذر يغسل الفكر القذر»! فدعا الشباب الصيني إلى تشكيل كتائب حمراء لحماية الثورة الشيوعية، و مطاردة الزعامات البرجوازية الحمراء من كوادر الحزب الشيوعي، و الفنانين و المثقفين و أساتذة الجامعات و المدرسين المعارضين له، كما أعلن الحرب على المعالم الثقافية الأربعة (الأعراف، و الثقافة، و الأفكار الدخيلة، و الرجعية) فقَتل قرابة مليون و نصف المليون صيني، و عَذب ملايين أخرى في معسكرات الاعتقال و العمل القسري!

      و قام (ماو تسي تونغ) بتوسيع النظام الذي تعارف عليه باسم (Laogai) اختصارا لـ(laodong gaizao) و يعني «الإصلاح من خلال العمل» الذي يتضمن استخدام العمل العقابي و مزارع السجون، و هو نظام يضم ألفَ معسكرِ عملٍ قسري في جميع أنحاء الصين، و قدر البعض أنه من خمسينيات إلى ثمانينيات القرن العشرين، عمل في هذه المعسكرات خمسون مليون صيني، توفي منهم عشرون مليونا، نتيجة للظروف المعيشية البدائية و العمل الشاق لمدة 14 ساعة يوميا.

      و في خضم هذه الحرب الأهلية، استبيحت المكتبات و المتاحف و كل دور العبادة و صودرت ممتلكاتها، و تم إتلاف تحف قيِّمة شملت تماثيل أثرية و كتبا تراثية، و عُزل العديد من موظفي الدولة من مناصبهم، بل تم نفيهم إلى الأرياف من أجل إعادة تأهيلهم، و من ضمنهم كوادر رفيعة من معارضي (ماو تسي تونغ) داخل الحزب الشيوعي

      و نتيجة للرعب الذي أحدثته ثورة ماو الثقافية تزايدت شعبيته و نفوذه المطلق، و تبلورت منظومة عقائدية و فكرية جديدة، أضفت هالة من التقديس و التبجيل على الزعيم أشبه ما يكون بعملية التأليه، فبدأت عملية توزيع و نشر كتاباته التي كانت تقدم كهدايا في الحفلات، و كان أبرزها (الكتاب الأحمر) و هو مقتطفات من أقوال الرئيس (ماو تسي تونغ)، حرصت الدولة على حصول كل مواطن على نسخة منه.

       كما نظمت الأناشيد الثورية للتغني بالزعيم الملهم، و تنافست المؤسسات لإعلان ولائها، فقامت الصحف بطباعة كلماته بالخط العريض الأحمر، كما وزعت شاراته الحمراء بالملايين على الصينيين، و انتشرت التماثيل و الملصقات و اللوحات المعبرة عنه في جميع أرجاء البلاد، حيث اعتاد المواطنون على الاصطفاف في طوابير طويلة و الانحناء أمامها تعظيما و تكريما لمخلِّص الأمة و رمزها الخالد، و هكذا دفعت الثورة الثقافية لإحياء ظاهرة عبادة الفرد بعد انحصارها في العالم، و كرست في الوقت ذاته نظاما شموليا مركزيا سيطر على كل مناحي الحياة.14

      دين الإلحاد و سيفه.. باق و يتمدد!

      عند عمر 82 عاما توفي (ماو تسي تونغ) في 9 سبتمبر 1976م و احتدم الصراع على السلطة داخل الحزب الشيوعي، و انتقلت السلطة إلى (دينج شياو بينغ) الذي جعل السلطة جماعية، ثم إلى (جيانج زيمين) و انتهى هذا المسار إلى أضعف رؤساء الصين (هيو جينتاو) قبل وصول السلطة إلى «ماو الثاني» حسب وصف مجلة فوربس الأمريكية في مقال بعنوان: «هل حان وقت مجيء ماو الثاني»؟ فقالت في 30 ديسمبر 2010م بعد اختيار (شي جين بينغ) ليكون الرئيس القادم لجمهورية الصين الشعبية في 2012م:

      «تشير التحليلات إلى أن (شي جين بينغ) يرغب في اتباع أسلوب أقوى و أكثر استبدادية عندما يصل إلى السلطة، مع قدر أكبر من الانفراد بالقرار، إذا تمكن من القيام بذلك، فسيكون حرا في إعادة كتابة التاريخ كما يراه مناسبا، و بمجرد تثبيت الزعيم الجديد في منصبه و إنشاء قاعدة سلطته الخاصة، سيكون من السهل استبدال نفسه بالراحل (ماو)، عندها ستكون عقارب الساعة قد عادت إلى استبداد جديد مع مسحة من الشعبوية، أما دعاة حقوق الإنسان و الديمقراطية، فسيكونون غير سعداء بما يفعله، لكنهم سيكونون أقلية».15

      و رغم أن محنة المسلمين الإيغور في (تركستان الشرقية) التي تطلق عليها الصين (شـينجيانغ) ظلت متفاعلة منذ الحكم الشيوعي و ضمها إلى جمهورية الصين الشعبية، إلا أن عصر (ماو الثاني/شي جين بينغ) كان الأسوأ و الأقسى على الإطلاق، حيث أخذ منحنى تصاعديا بعد توليه الحكم مباشرة و حتى الآن، و إن كان المسلمون في الصين عموما، كبقية الصينيين، قد تنفسوا الصعداء من سياسة الانفتاح بعد رحيل (ماو تسي تونغ) إلا أنه و منذ وصول (شي جين بينغ) كان المسلمون الإيغور وحدهم من ذاق ويلات و فظائع لا مثيل لها.

      كانت الإيدلوجيا اللينينية و الماركسية و المنطلقات العقائدية الإلحادية للزعيم الصيني في حربه على المسلمين الإيغور واضحةً للغاية و معلنة بغير خفاء، و نستعرض هنا بعضا من تصريحاته و أفعاله و إقراراته التي تداولتها وسائل الإعلام العالمية، من خلال تسلسل زمني تصاعدي.

      كونوا «ملحدين ماركسيين عنيدين»

      «قال الرئيس الصيني (شي جين بينغ) في مؤتمر في بكين بشأن الدين عام 2016م: إن الصين يجب أن تكون يقظة تجاه التأثيرات الدينية الأجنبية الخبيثة، و يجب أن نحترس و بحزم من تسلل الخارج عبر الوسائل الدينية، و منع التعدي الأيديولوجي من قبل المتطرفين، و على كوادر الحزب الشيوعي الصيني تعزيز إيمانهم، فيجب عليهم أن يتصرفوا كـ«ملحدين ماركسيين لا يلينون، و أن يضعوا في اعتبارهم مبادئ الحزب». و تريد الحكومة ضمان أن أي دين في الصين سيكون صيني الصبغة، و تامَّ الولاء المطلق للحزب الشيوعي الصيني، و أن يجدوا طريقة للدمج بين هذه المعتقدات الدينية و«الحضارة الصينية» و أن يتحد المؤمنون الدينيون مع الحزب».16

      تعزيز الإلحاد

      كتب (تشو وي تشون) رئيس اللجنة العرقية و الدينية للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، في صحيفة جلوبال تايمز الرسمية، أن الحزب يجب أن «يروج بشكل لا لبس فيه للإلحاد الماركسي في المجتمع»، و الحفاظ على «مكانته الرائدة في تفكير جماهير الشعب»، واصفا إياه بأنه «أيديولوجية الأمة السائدة»، و أنه من المهم بشكل خاص «تعزيز التثقيف الدعائي حول النظرة العلمية للعالم، بما في ذلك ترويج الإلحاد للشباب»، و قال إنه في الوقت الذي تحمي فيه الصين حقوق المؤمنين الدينيين «كأمة يقودها الحزب الشيوعي، لا يمكننا التخلي عن الإلحاد، و اللجوء إلى الدين للحصول على الدعم الروحي، و لا اتخاذ موقف محايد أو تصالحي بين الإلحاد و الدين، و لا يمكننا السماح للدين بالانتشار دون حدود، حتى يصبح الأيديولوجية السائدة».

       

      و يبدو أن تصريحات (تشو) تتماشى مع نهج تقليدي متزايد تجاه الأيديولوجية التي يروج لها الرئيس الصيني و الأمين العام للحزب الشيوعي (شي جين بينغ) فمنذ تولي الرئيس (شي) منصبه، سعت القيادة بشكل متزايد إلى الترويج لخط اشتراكي أكثر تقليدية، بينما انتقدت القيم الثقافية و الليبرالية الغربية و غيرها من التأثيرات «غير الصحية»، و تأتي تصريحات تشو بعد فترة وجيزة من مؤتمر العمل الديني الوطني، و هو الأول منذ 15 عاما، الذي أكد فيه (شي) على أن أعضاء الحزب الشيوعي يجب ألا يؤمنوا بالدين، و قال إن الصين يجب أن تقلل من التأثير الأجنبي على الدين لمنع تسلله، كما دعا (شي) إلى تعزيز «النظرة العلمية/الإلحادية» بين الشباب. 

      و يبدو أيضا أن تصريحات (تشو) الأخيرة تذهب إلى أبعد من ذلك، حيث قال في مقال جلوبال تايمز، إنه في السنوات الأخيرة، وجدنا أنه حتى بعض «كبار المسؤولين سعوا إلى إيجاد قِيَم في الدين، الأمر الذي كان له تأثير سلبي»، و قال إن الحزب الشيوعي لم يصل إلى السلطة من خلال «توجيه الناس لوضع أملهم في الجنة أو الحياة الآخرة»، و في عبارة أخرى تذكر بالحملات الأيديولوجية في العقود السابقة، قال (تشو) إنه من الضروري توجيه الناس إلى «رسم خط واضح» بين «الإلحاد و الدين، و العلم و الخرافات، و الحضارة و الجهل، و إذا كان الحزب الشيوعي قادرا على تفعيل بعض «الآثار الإيجابية للدين»؟و الحد من آثاره السلبية، فليس لأننا تخلينا عن الإلحاد، و لكن لأننا تمسكنا بالإلحاد الماركسي و السياسات الصحيحة».1718

      تقديس (ماو) و (ماركس)

      «الصين لديها عقيدة سياسية رسمية جديدة، يطلق عليها «فكر شي جين بينغ» و هي موجودة في كل مكان، في المدارس و الصحف و التلفزيون و الإنترنت و اللوحات الإعلانية و اللافتات، كلها تثري أفكار رئيس البلاد و زعيم الحزب الشيوعي، تُعرف هذه الأيديولوجية رسميا باسم «فكر شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد» باختصار، العقيدة هي مخطط لتوطيد السلطة على ثلاثة مستويات: (الأمة، و الحزب، و الرئيس) فـ(شي جين بينغ) لا يزال يقدس تعاليم (ماو) و(كارل ماركس)

      فكر (شي) الماركسي.. في المناهج الدراسية

      «ذكرت وزارة التعليم في توجيهاتها الجديدة إن «فكر شي جين بينغ» سيساعد «المراهقين على ترسيخ المعتقدات الماركسية» و سيتم دمج هذه الأيديولوجية في جميع المراحل الدراسية، من المرحلة الابتدائية حتى الجامعة، و هذا هو أحدث جهد يبذله (شي) لتعزيز دور الحزب الشيوعي الصيني الحاكم في مختلف مجالات المجتمع، و في عام 2018م، أدرجت أعلى هيئة في الصين (فكر شي جين بينغ) في الدستور، و منذ ذلك الحين، تم تقديمه في بعض الجامعات الصينية، و بين أجنحة الشباب السياسي التي تُقيم أنشطة خارج المنهج التعليمي، و في عموم المدارس الصينية».21

      على «كل الأديان» الالتزام بالعقيدة الماركسية

      «في 3 و4 ديسمبر 2021م عقد الحزب الشيوعي الصيني في (بكين) مؤتمرا وطنيا حول العمل المتعلق بالشؤون الدينية، كان هذا أول مؤتمر من نوعه منذ عام 2016م و الذي كان قد أعلن فيه الحزب عن خططه لحملة أكثر صرامة على الدين، و حضر المؤتمر جميع القيادات العليا للحزب الشيوعي الصيني، بما في ذلك الرئيس (شي جين بينغ)، الذي أعرب عن أسفه، لأن مراقبة الإنترنت لمنع الدعاية الدينية و التصريحات غير اللائقة على وسائل التواصل الاجتماعي لا تعمل بشكل صحيح، و دعا إلى مزيد من المراقبة، و معاقبة المؤمنين الذين يستخدمون الشبكات الاجتماعية للتبشير الديني، أو انتقاد السياسة الدينية للحكومة.

      و قال (شي) إن الهيئات الدينية التي تسيطر عليها الحكومة (أي الديانات الخمس المعتمدة) يجب أن تطور «نظرية دينية للاشتراكية ذات الخصائص الصينية»، و هذا يعني على وجه الخصوص، أن الأديان يجب أن تتعلم القيام بأنشطتها في أماكن عبادتها و قبول «عدم التدخل في الحياة الاجتماعية»، و اعترف (شي) بأن هناك مشاكل لم تحل، و إن الحل هو تحسين الالتزام الأيديولوجي للبيروقراطية التي تتعامل مع الدين، التي قد تميل في بعض الأحيان إلى العمل خارج الإطار الذي وضعته النظرية الماركسية للدين.

      و شدد (شي) على أنه «من الضروري تكوين فريق من كوادر الحزب و الحكومة، الأكثر يقينا بالآراء الدينية الماركسية، و على دراية بالعمل الديني، و يجيدون العمل مع المؤمنين الدينيين، و السماح لهم بدراسة الآراء الدينية الماركسية، و نظريات و سياسات العمل الديني للحزب الشيوعي الصيني، و المعرفة الدينية»، و لكن قبل كل شيء يجب أن يكونوا «حازمين في الأيديولوجيا و السياسة، و أن يلتزموا بالآراء الدينية الماركسية، و يعززوا بناء نظام الدراسات الدينية الماركسية» و أكد (شي) أن «إضفاء الطابع الصيني» على الدين يعني أن جميع الطوائف الدينية، يجب أن يقودها و يسيطر عليها الحزب الشيوعي، و أن يكون له الولاء المطلق».2223

      الترويج لإلحاد يستهدف الأديان

      «يتم الترويج لكتاب مدرسي جديد يروج للإلحاد في الكليات و كوادر الحزب الشيوعي الصيني، كجزء من حملة تنفيذ قرارات المؤتمر الوطني للعمل المتعلق بالشؤون الدينية في ديسمبر 2021م حيث تم تقديم الكتاب لأول مرة، و يتم الترويج للكتاب المدرسي كاستجابة لتعليمات (شي جين بينغ) في ذلك المؤتمر، بأن وجهات نظر (ماركس) حول الدين، يجب أن تدرس بشكل أكثر شمولا داخل الحزب الشيوعي الصيني.

      الكتاب يسمى (مبادئ الإلحاد العلمي) و هو نص ضخم يضم حوالي 400 ألف حرف صيني، و استغرق إعداده 6 سنوات، مؤلفه (لي شين) المعروف بكتابه «تاريخ الإلحاد الصيني» حيث روج لنظرية (شي جين بينغ) بأن الثقافة الصينية في جوهرها كانت دائما غير دينية، و يروج للنظرية، التي يدعمها أيضا الحزب الشيوعي الصيني، بأن الكونفوشيوسية هي في الأساس شكل من أشكال الإلحاد.

      يتضمن الكتاب أربعة فصول: ما هو الله، إثبات عدم وجود إله، الآلهة و آثارها، و النظرية الدينية للحزب الشيوعي و السياسة الدينية.

      و يؤكد الكتاب أن كلا من «عدم وجود إله» و«التأثير الضار للدين» قد تم إثباته علميا، من خلال إجراء فلسفي تقبله الفلسفة الغربية و الصينية، و التي بلغت ذروتها في الآراء النهائية من قبل (كارل ماركس) و الحزب الشيوعي الصيني، و يؤكد الترويج للكتاب مدى التحول في المؤسسات الصينية التي تتعامل مع الدين و أقسام الدين في الجامعات، من كونه دراسة أكثر «حيادية» -إلى حد ما- إلى دعاية للإلحاد الماركسي، و يمكن إرجاع هذا التحول إلى الخطب و التعليمات التي ألقاها الرئيس الصيني (شي جين بينغ) نفسه».24

      أنت ملحد.. فلا تحترم الإسلام

      «فتح الحزب الشيوعي الصيني تحقيقا مع أحد كبار المسئولين في الحزب، و هو (وانغ تشنغ وي) نائب رئيس المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، و هو عضو من أقلية (الهوي) المسلمة، و خضع للتحقيق من قِبل مراقبي الانضباط الداخلي للحزب بتهمة إساءة استخدام السلطة و الفساد، لأنه روَّج لاحترام الإسلام، و كان ذات يوم مدافعا عن الثقافة الإسلامية.

      و يأتي التحقيق معه لأن (وانغ) ربما روَّج «للثقافة الإسلامية خارج الحدود» و شجع التطرف الديني عندما شغل منصب رئيس الحزب الشيوعي في منطقته (نينغشيا) في شمال غرب الصين، و بعد ذلك رئيسا للجنة الوطنية للشؤون العرقية في البلاد، و قضى (وانغ) الذي درس الهياكل الاقتصادية للدول الإسلامية، معظم حياته المهنية في (نينغشيا)، التي تضم عددا كبيرا من السكان المسلمين الصينيين، و أثناء خدمته هناك في اللجنة الوطنية للشؤون العرقية، دافع من أجل تشريع يعزز إصدار شهادات الطعام الحلال، و شجع أيضا على بناء المساجد، و هي إجراءات يرى كبار المسؤولين الصينيين أنها تعزز الهوية العرقية على حساب الوحدة الوطنية».25

      الإلحاد شرط للقبول في المدارس

      «أمرت السلطات الحكومية في مدينة (ونتشو) في مقاطعة (تشجيانغ) أولياء أمور الأطفال في المدارس بالتوقيع على «نموذج تعهد بالتزام الأسرة بعدم اعتناق معتقد ديني»، و ينص التعهد على ضرورة تأكيد الوالدين أنهما «لا يعتنقان أي معتقد ديني، و لا يشاركان في أي أنشطة دينية، و لا ينشران الدين في أي مكان، و تأكيدهم على ضرورة «التقيّد المثالي» بتعاليم و توجيهات الحزب الشيوعي الصيني، و قوانين البلاد و لوائحها، و عدم الانضمام أبدا إلى أي من المنظمات الدينية، و قال أحد المعلمين: إن السلطات المحلية لم تذهب إلى هذا الحد من قبل».26

      الإسلام.. يجب أن يكون صينيا 

      «في عام 2022م طلب الرئيس الصيني (شي جين بينغ) من المسؤولين تكثيف الجهود لدعم مبدأ أن الإسلام في الصين يجب أن يكون صينيا في توجهه، و أن الأديان في البلاد يجب أن تتكيف مع المجتمع الاشتراكي الذي ينتهجه الحزب الشيوعي الصيني الحاكم، و ذلك أثناء زيارته منطقة (تركستان الشرقية/شـينجيانغ) و شدد (شي جين بينغ) على الحاجة إلى تحسين قدرة حوكمة الشؤون الدينية و تحقيق التنمية الصحية للأديان، و في السنوات القليلة الماضية، كان الرئيس يدعو إلى «إضفاء الطابع الصيني» على الإسلام، و هو ما يعني جعله متناغما مع سياسات الحزب الشيوعي الحاكم.

      و أعاد الرئيس الصيني التأكيد على «تصيين الإسلام» عندما زار مؤخرا في 26 أغسطس 2023م منطقة (تركستان الشرقية/شـينجيانغ) مرة أخرى، داعيا المسؤولين إلى «تعزيز إضفاء الطابع الصيني على الإسلام بشكل أعمق، و السيطرة بشكل فعال على الأنشطة الدينية غير القانونية» و قال إن تعليم اللغة الصينية القياسية المنطوقة و المكتوبة، يجب أن يتم بحزم لتعزيز وعي الناس و قدرتهم على استخدامها.272829

      الهوامش

      1. RELIGION AND COMMUNISM IN MODERN CHINA – Clash or Synergy of Ideologies – T.S.Tsonchev -The Montréal Review, April 2011. ↩︎
      2. Atheism, Not Religion, Is The Real Force Behind The Mass Murders Of History ..Dinesh D’Souza. ↩︎
      3. From Darwin to Hitler: Evolutionary Ethics, Eugenics, and Racism in Germany.. Richard Weikart. ↩︎
      4. Top Ten Most Evil Dictators of All Time (in order of kill count). ↩︎
      5. Body Count: A Quantitative Review of Political-Violence-Across World Civilizations.. Naveed S.Sheikh ↩︎
      6. RELIGION AND COMMUNISM IN MODERN CHINA – Clash or Synergy of Ideologies – T.S.Tsonchev -The Montréal Review, April 2011 ↩︎
      7. China’s religion problem: Why the Chinese Communist Party views religious belief as a threat 17.10.2019 ↩︎
      8. Religion in China   ↩︎
      9. دستور جمهورية الصين الشعبية. ↩︎
      10. RELIGION AND COMMUNISM IN MODERN CHINA – Clash or Synergy of Ideologies – T.S.Tsonchev -The Montréal Review, April 2011  ↩︎
      11. عبادة الدولة: كيف نجحت الصين في صنع دين جديد للبشرية؟   ↩︎
      12. China’s Great Leap Forward  ↩︎
      13. The Legacy of Mao Zedong is Mass Murder 02.02.2010 ↩︎
      14. The Cultural Revolution A Very Short Chinese.. Richard Kurt Krause. ↩︎
      15. Time for Mao’s Second Coming? 30.12.2010 ↩︎
      16. China’s Leader Xi Jinping Reminds Party Members to Be ‘Unyielding Marxist Atheists 25.04.2016’ ↩︎
      17. Senior Chinese Religious Advisor Calls For Promotion Of Atheism In Society 04.05.2016 ↩︎
      18. Meeting calls for religions with Chinese characteristics 25.04.2016  ↩︎
      19. Xi Jinping Thought Explained: A New Ideology for a New Era 26.02.2018 ↩︎
      20. Chinese Communist Party: “100 Years of Promoting Atheism” 07.06.2021 ↩︎
      21. China schools: ‘Xi Jinping Thought’ introduced into curriculum 25.08.2021 ↩︎
      22. China: First CCP National Conference on Religion Held Since 2016 – 08.12.2021 ↩︎
      23. Xi Jinping stressed at the National Conference on Religious Work that “adhere to the direction of sinicization of religions in our country and actively guide religions to adapt to socialist society 12.20.2021.” ↩︎
      24. China promotes new book on atheism targeting religions 31.01.2022 ↩︎
      25. China Launches Investigation Into Official Who Promoted Respect for Islam 19.03.2022 ↩︎
      26. Local Chinese authorities order parents at school to sign pledge renouncing their faith 23.03.2032 ↩︎
      27. Islam in Beijing Must be Chinese in Orientation: President Xi Jinping upon Visiting Uyghur Locale 17.07.2022 ↩︎
      28. Xi stresses greater efforts to build beautiful Xinjiang in pursuing Chinese modernization 27.08.2032 ↩︎
      29. Xi Jinping calls for protection of ‘hard-won stability’ in Xinjiang visit 27.08.202 ↩︎
      30. الحزب الشيوعي الصيني… عقيدة “مقدسة” للرئيس ↩︎
      31. What does Xi Jinping really think?10.01.2032  ↩︎
      32. Religion in China: Survival and Revival under Communist Rule .. Fenggang Yan

      بتصرف عن الرابط : https://tipyan.com/when-atheists-rule-the-ideological-roots-of-china-war-on-muslims/

    12.  

    8

Read 158 times Last modified on Wednesday, 01 May 2024 09:06
More in this category: « هل كانت مسرحية؟

Add comment


Security code
Refresh

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab