(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الثلاثاء, 04 تشرين2/نوفمبر 2014 16:38

هل ما زال الشباب يستمع إلينا؟

كتبه  الأستاذ عبد العزيز كحيل
قيم الموضوع
(0 أصوات)

لا تتوقَّف قرائح العلماء و المفكرين و المربِّين عن الجود بالأفكار و البرامج و التحليلات النفسية و الاجتماعية التي تتناول الشباب و تخاطبه لترشيد مسيرته، خاصةً في ظلِّ العولمة الطاغية التي تهدِّد الدين و القيم و الأخلاق و الذات المستقلة، لكن لنا أن نتساءل: هل ما زال الشباب يستمع إلى الخطاب الترشيدي، و يُصغي إلى الدارسين و المنظِّرِين؟

المشكلة قائمة بذاتها بسبب طُوفان التغييرات الثقافية و الاجتماعية، التي كثيرًا ما لا نملك لها حماية صُلبة من ذاتنا سوى بقية من خطاب ديني قويٍّ في جوهره، لكن يحدث أن يقلَّ تأثيره، و تتجاوزه أدوات العولمة و أساليبها، فما العمل إذًا و الشباب مورد لا يمكن تجاهل أهميته و خطره، و لا يمكن تناسي موضوعه؟ هل من فائدة في إضافات تنظيرية تشكِّل تراكمًا معرفيًّا ضخمًا إذا كان الذين نتناولهم بالدراسة و نتفنَّن في مخاطبتهم لا يلتفتون إليها؛ لانشغالهم بخطاب آخر يشكِّلُ - في شعورهم أو لاشُعُورِهم - المرجعَ الأقوى في بريقه و تأثيره؛ لأنه سهل المنال، لا يرهقهم بتكاليفَ ذهنيةٍ أو سلوكية، بل يقرِّب إليهم الأحلام، و ينقلهم من عالم الأفكار و ما تقتضيه من كدٍّ و مكابدة إلى ساحات الاستهلاك المادي و النفسي بلا ضوابط و لا حدود؟ إذا استثنينا القلَّة الملتزمة بدينها و هُويَّتها و شخصيتها، على بصيرة، بفضل انخراطها في محاضن التربية و دروب الدعوة، فإنَّ الأغلبية الساحقة الواقعة تحت ضغط الإرهاق من تأثيرات العولمة بعيدًا عن أجواء الشريعة و الأخلاق، أصبحت يستهويها التمرُّد على الأمة و التراث و المجتمع، تتموقع في مربَّع التحدِّي و المعاكسة، و هي تظنُّ أن ذلك هو ثمن إثبات الذات و الخروج من التخلُّف و الرتابة، و عربون الانطلاق نحو الرقِيِّ و التقدم و نبض الحياة المزدهرة، كيف نحدِّث هؤلاء عن الشباب محرِّكِ الدنيا و مسعرِ الجهادِ و مشيِّدِ الحياة في سبيل الله؟

كيف نحدِّثهم عن القُدُوات الكبرى في تاريخ الأمة الممتدِّ من أنبياء و صحابةٍ و رموزٍ خالدةٍ في ميادين العلم و الجهاد و الإصلاح، و قد صنعت لهم السينما و الأدب الغربي و التغريبي قُدُواتٍ تتجاوز في تأثيرها إبراهيمَ عليه السلام الفتى الثائرَ على الشرك، و إسماعيلَ عليه السلام الشابَّ الذي رضي بالتضحية بنفسه امتثالاً لأمر الله، و أصحابَ الكهفِ الذين فضَّلوا حياةَ العزلة على الذوبان في المجتمع الجاهلي، و رموزَ البطولةِ و العطاء اللافت؛ أمثال: أسامة بن زيد، و القاسم بن محمد الثقفي، و محمد الفاتح، و صِنْو هؤلاء من النساء الفاضلات اللائي تركْنَ بصماتهن في دنيا المسلمين و البشرية كلِّها، لقد أصبح للشباب - رغم إسلامهم و عروبتهم - نماذجُ عاليةٌ أخرى من الممثِّلين و اللاعبين و الفكاهيِّين الذين يمثِّلون في نظرهم النجاحَ و البروز بالإضافة إلى المعاصرة، و يرمزون إلى السعادة؛ أي: إلى السهولة في نيل الشهرة و المادة بغير كدٍّ و لا طول انتظار؛ إذ تكفي أغنيةٌ تروِّجُ لها الأوساطُ الفنية، أو هدف يسجِّلُه لاعبٌ مغمورٌ ليحظى بالأضواء الإعلامية تُسَلَّط عليه، و الأموال تُصبُّ عليه صبًّا، و الدنيا تتبرَّج له بكل زينتها، بينما يعرف هو شخصيًّا أساتذةً جامعيين، و باحثين و علماء دين، لا يملكون سكنًا و لا سيارةً و لا دخلاً كافيًا، و هذا يكفي الشباب لاختيار موقعه الاجتماعي؛ إذ أصبح من المعلوم في الساحة العربية أنَّ طلبَ المعارف بالمعنى العلمي و الأكاديمي فَقَدَ وزنَه عند أكثر الطلبة، و حلَّ محلَّه - في أحسن الأحوال - الحصولُ على الشهادة، و لو بلا رصيد علمي محترم، و قد رصد المراقبون في الجزائر - على سبيل المثال - أن الجهة الأكثر استقطابًا للمسَجَّلين الجدد في الجامعة هي معهد تكوين الرياضيين؛ لأنه يجمع بين سهولة الدراسة و ضمان المستقبل، بخلاف كليات الطبِّ و الهندسة، فضلاً عن العلوم الإنسانية.

الشباب يعرف كلَّ هذا، لكنه في الغالب لا يعبأ لا بالمشكلة و لا بالحلِّ؛ لأنه - كما ذكرنا - حسَمَ اختيارَه، و انحاز للطريق السهل الذي يجنِّبه الكَدَّ، و ترك الكلام عن الأمة و العلم و المستقبل و التحديات للمُنَظِّرين الذين لا يَقرأُ ما يكتبون و لا يُصغِي إلى ما يقولون، لذلك تراكمت أزمات الْهُوية و الفراغ الروحي و الانحراف السلوكي و السلبية و التراجع المعرفي و فقدان المناعة الحضارية و غيرها، بل صارت رقعتها تتَّسع باطِّرادٍ حتى مسَّت الفضاء الديني ذاته، و ألقت عليه بظلال التديُّن العاطفي غير المنضبط و الغلوِّ في الفَهم و التطبيق و الانسحابية، و الاغتراب الزماني في مواجهة العولمة، و الضجر من معاناة إنضاج الأفكار و العواطف، و معاناة مكابدة الواقع السياسي، و الصبر على مكاره طريق الإصلاح و توضيح معالمه و تنفيذ خططه، و إن المرء لَيَجِدُ في مواطن اللغو و اللهو و في مواقع التطرف أضعافَ ما يجد في مظانِّ العلم و البحث و العمل الدائم من الشباب؛ لأن الأغلبية لم تصمد أمام مفاتن التهوُّر و الاستعجال و الغثائية.

هذا هو الواقع الذي يعرفه كلُّ واحد، و لا يجدي معه التمويه، و إذا كان - و لا بدَّ - من ظرف مخفف، فهو ما نشأ عليه شبابنا من بيئة موبوءة على أكثرَ من صعيد في ظلِّ الغزو الثقافي الذي تساهلت معه الحكومات و شجَّعَتْه النُّخَب العلمانية، و استهلكته البيوت، حتى إن الروح الأجنبية غزت أكثرها في كلِّ مظاهر الحياة، فأصابت العُجمةُ الألسنَ، و طغت مظاهر التغريب على الأزياء و الأثاث و مواعيد العمل و الراحة و الطعام و حتى التحية المتبادلة بين الناس، و سرى مع كلِّ هذا - و هو أخطر ما في الأمر - سلبياتُ الحضارة الغربية التي غزت العقول و القلوب، و قلبت الموازين، و خدشت الأخلاق، فصنعت في النهاية هذا الشباب الذي نتحدث عنه، و الذي أصبح - من حيث يدري أو لا يدري - يستهلك منتجات الغرب المادية و النفسية بِحُلْوها و مُرِّها و خيرها و شرِّها، ما يُحمد منها و ما يُعاب، تمامًا كما خطَّط دعاة التغريب - و صرَّحوا بذلك - منذ عقود، فأصبحت الانحرافات الجنسية، و الزواج الْمِثْلي و السحاق، تجد رواجًا فكريًّا و اجتماعيًّا في بلادنا، مع أنها عند أية فطرة سليمة من الموبقات التي يتقزز منها الرجال و النساء لبشاعتها و حيوانيَّتها، لكن تتبنَّاها أوساط سياسية و ثقافية بصراحة، باعتبارها من الحريات الشخصية و صميم حقوق الإنسان، في حين يُصنَّفُ الحجابُ و النقاب و اللحية في خانة الخروج عن النسق الاجتماعي، و مقدِّمات التطرف الديني و الإرهاب المترتِّب عليه بالضرورة، و بقي ملاحظةُ تخلِّي الأغلبية الساحقة من المسلمات - في السنوات الأخيرة - عن اللباس الشرعي، و إقبالهنَّ على الحجاب المتبرِّج الذي صمَّمَتْه الأوساط الغربية لإعادتهنَّ إلى الجاهلية الأولى بخمار يغطّي الرأس، و ثياب كاشفة للمفاتن، لا يبقى معها معنًى للحياء و العفَّة وغضِّ بصر الرجال و النساء، و هؤلاء النساء و أزواجهنَّ و أولياؤهنَّ يعرفون الحكم الشرعي للباس المرأة، لكنَّ التغريب غدا أقوى من الثقافة الدينية عند الجميع إلا فئةً موَفَّقَةً تتحدَّى سيلَ العولمة الجرَّارَ بالثبات على المبدأ في وجه التلفزيون و المجلة و الإنترنت.

و قد زاد من تعقيد الموقف سيطرةُ الشيخوخة على مفاصل الحياة في البلاد العربية رغم التمجيد الشفوي للشباب، و الوعود المتتالية بتسليمهم المشعلَ، و إفساح مجال القيادة و التسيير لذوي الكفاءات منهم، لكنَّ شيئًا من ذلك لم يحدث، فكيف لا يديرون بعد ذلك ظهورَهم للشأن العام و معالي الأمور؟ فكيف نقنعهم - عندما نكتب و نحاضر و ننظِّر - بموقعهم من التحدي الحضاري و نحذِّرُهم من التخلُّف عن المنهج الرباني، و من سطوة النزعة المادية، و ندعوهم إلى الالتزام بأحكام الشرع؟ هل يسلِّمون بما نرى فيهم من أمراض فتَّاكة؛ كضعف الفاعلية، و عدم الاكتراث بالوقت، و النزوع إلى السلبية، و الإفراط في الشكليات، و انتهاج الفوضى في كلِّ شؤونهم؟ و إذا سلَّموا بذلك، فهل يثقون بوصفاتنا العلاجية، و نحن و إيَّاهم غارقون في صراع الأجيال؟ ما العمل لتخليص هؤلاء الأبناء من أخلاق المجتمعات المتخلفة، و على رأسها ضعف ثقافة التساؤل، و انعدام القلق الحضاري، و اضطراب منهجية التفكير، و طغيان الانفعال؟ و قبل ذلك، كيف نجعلهم يقتنعون بالمشكلة حتى تتسنَّى معالجتُها؟ هل نبقى نكتب و نخطب و نحاضر رغم إعراضهم أو لامبالاتهم؟ ما جدوى ذلك؟

ليس غرض هذا المقال اقتراحَ الحلول ليبقى الأمر تنظيرًا باردًا، و إنما نريد طرح الأسئلة الوجيهة - كما نظنُّ - ليلتفت المربُّون و المفكِّرون و العلماء و أصحاب القرار إلى أنفسهم و تنظيرهم بالمراجعة و طلب الجدوى؛ لاستدعاء الشباب إليهم كَنِدٍّ ناضج يعطينا الإجابات التي نبحث عنها بعيدًا عنه، و يتبنَّى قضيته و يُكِبُّ عليها بالتناول الجِدِّيِّ، فيجد المجال لطرح الأسئلة الوجيهة و الصعبة و المحرجة، و يقترح الإجابات أو يلتمسها عند أصحاب الاختصاص و التجربة.


                                                                      
http://www.alukah.net

قراءة 4465 مرات آخر تعديل على الأحد, 05 تموز/يوليو 2015 21:32