كم أتعبته سنوات الفقر،
يروي لنا بؤسه، ثم ينظر إلى شملنا أنا و إخوتي، و يبتسم، ثم يشكر الله كثيرًا.
كل يوم - نعم كل يوم – أذهب لألقي عليه و على والدتي التحية، أجلس إلى جانبه و أستمع لحكاياته التي حكاها لي ألف مرة و مرة؛ و لا أمل من سماعها. يروي لي عن حرثه و حصاده، عن صيده الغزلان و الطيور و السمك، عن طيه الصحاري بحثًا عن القطا و بيضها، و كيف هاجر إلى المدينة عندما أكلت البقرات العجاف السمان، و كم عانى الفقر!
أحببت أن اسأله يومًا عن عدم استخدامه في إحدى شركات النفط، و لكني خشيت أن يظن أنني مللت إعالته فسكت؛ لكنه قال لي يوما: أتدري؟ لو كنت أجيد اللغة الفارسية لعملت في إحدى هذه الشركات، و لكان لدي راتب تقاعدي.
هذا أبي، تعجبني بساطته و صدق قوله، صادق و بريء، لا يعرف الغش بتاتًا، و لم ينطق بكلمة كذب قط. علمنا الصدق بصدق، لا أذكر أنه نصحنا يوما أن نتجنب الكذب و الرذيلة، لكننا تعلمنا حسن الصدق و الفضيلة من سلوكه.
لا أذكر أنه ضربنا أو عنف بأحدنا أو لامنا، كلما أتذكره هو احترام و حب و حنان.
و كم يحب والدتي و يحترمها! تقول والدتي:لم ينطق أبوك بكلمة تؤذيني طيلة حياته.
عاداته بدوية ... لا يرد سائلا حتى لو كان لا يملك إلا رغيف عشائه.
يتفقد الجار، يسلم على الصغير و الكبير، و يتحلى بكل الصفات الحميدة التي فقدها أبناء هذا الجيل.
كلما سألته عن صحته، أجابني بصوت عال : الحمد لله، (لو عافاك، أغناك). دائما يرى الغناء في العافية و الصحة.
ملابسه عربية، لم يرتد الزي الغربي، و لا مرة في حياته. لم أره يومًا دون كوفية، حتى في المنام يتعمم بها.
هذا هو أبي و هذه عاداته التي أحببتها.
المصدر: