لصوص الصحافة الإلكترونية إن ثورة الإتصالات الحديثة التي نعيشها اليوم قد حملت لنا في رياحها السريعة حبوب لقاح حميدة مريحة للعين و مفيدة للعقل و القلب، فترطب العين بالقطرات الصافية، و تلقح العقل بالطيبات و تنقي القلب من الخبائث، و لكنها مشوبة بحبوب لقاح خبيثة تثير الحساسية في العين و تؤذي العقل، و تجرح القلب و تدميه، و من حافظ على أمانة العقل التي أودعها الله فيه، يستطيع أن يميز الطيب من الخبيث في حبوب اللقاح تلك، فيأخذ الطيب ليتطيب منه، و ينبذ الخبيث لا بل يكافحه و يحاربه فيراكم الخبث في نفسه. و من لم يحافظ على أمانة العقل يستقطب الخبيث و يستبعد الطيب. حيث أن نفسه المريضة بنقصها و خبثها تجذب اليها الخبائث و تنفِّر منها الطيبات.
و رب ضارة نافعة، و من فوائد هذه الحبوب الخبيثة أنها كشفت لنا عن معضلة تربوية عويصة في مجتمعاتنا العربية، و ذلك بكشف النقاب عن نفوس مريضة كثيرة تعيش بين ظهرانينا، نحسبها طيبة فإذا هي خبيثة، و لم نكن قادرين على كشفها و معرفة حجمها المهول لولا ثورة الإتصالات تلك. مما يدعونا الى إعادة النظر في نهجنا و في نظامنا التعليمي و التربوي و الثقافي.
و قد شاعت في المجتمعات نتيجة لهذه الثورة جرائم إلكترونية متعددة، و تفشت و انتشرت كانتشار النار بالهشيم، لذلك فهي تحتاج الى ضوابط بتشريعات صارمة و عاجلة تتناسب مع سرعة و عصف هذه الثورة و جنونها. و معظمها جرائم أخلاقية من أهمها الإقتصادية و الإجتماعية الخطيرتين. و حيث يوجد تشريعات للجرائم الإقتصادية فيمكن القياس عليها و استحداث تشريعات للجرائم الإلكترونية، إلاّ أن الجرائم الإجتماعية تحتاج الى بحث و جهد لوضع تشريعات رادعة و ضابطة لها. و من الجرائم الإجتماعية إختراق الخصوصية الشخصية للفرد و للمؤسسات و الهياكل و الفعاليات المجتمعية، و ما ينتج عن ذلك من إبتزاز المجرم للضحية، كما يحدث للجنس اللطيف المغدور من قبل الجنس الخشن المتوحش، و هذا على سبيل المثال لا الحصر.
و لتغطية عنوان المقالة لا بد من التطرق الى إنتهاك حقوق الملكية الفكرية و الثقافية و الصحفية في الصحافة الإلكترونية المشرعة أبوابها و شبابيكها لكل من هب و دب ليدخل اليها بنية صادقة فيستفيد و يفيد و من يدخل بنية سيئة و يعيث فيها فساداً و يحدث إفساداً. حيث يتعدى الوصوليون و المتطفلون (أصحاب النفوس المريضة ، و العقول الخاوية ، و الذاكرة العفنة ، و الثقافة الواهنة) على الممتلكات الفكرية و الإبداعية للغير. و يحصل ذلك في المنتديات الإلكترونية الإجتماعية العامة و الخاصة و التي لا رقيب عليها، و في المواقع الإلكترونية الإعلامية و الإخبارية و التي تفتقر الى شبكات الأمان و السلامة المحكمة. و من تلك الأساليب الإجرامية على سبيل المثال لا الحصر، أن يقوم الشخص المعتدي بنقل موضوع من رأسه الى عقبه مع تجاهل كاتبه و مؤلفه، و يضعه حرفياً في منتدىً اجتماعي أو موقع الكتروني إعلامي أو في صفحته بالفيس بوك و يذيله بتوقيعه لأغراض شخصية رخيصة رخص ضميره الميت. و منهم من يدعي الذكاء و يغير في عنوان المقالة فقط و يضعها حرفياً في المواقع بتوقيعه كمؤلف لها مستبدلاً مؤلفها بشخصه أو يضعها على صفحته بالفيس بوك و يغلق كل الأبواب أمام مؤلفها الأصيل لكي لا يعلق عليها أو يبدي ملاحظاته بخصوصها حفاظاً على حقوقه. و يفعل ذلك عامداً متعمداً مع سبق الإصرار إما لشهرة أو لغرض شخصي رخيص، و كلها تنطوي تحت عنوان الوصولية و التطفل على أكتاف الآخرين و سرقة جهدهم الفكري و تحصيلهم العلمي و الثقافي و المعرفي. و هو بصفة الفعل تلك يعتبر المتطفل و الضحية التي اعتدى عليها هي العائل لهذا المتطفل.
و المتطفل من المنظور العلمي البيالوجي هو حيوان أو نبات قاصر عضوياً، و مشوه خلقياً ، و عاطل وظيفياً بحيث لا يستطيع العيش لوحده، و يحتاج الى عائل متكامل العضوية و الوظائف، ليعيش عليه أو يستوطن فيه. يسلب منه غذاءه و ربما يسرق حياته بأن يتسبب في موت العائل و ينتقل الى عائل آخر و هكذا فيخرب المجتمع الحيواني أو النباتي الذي يتواجد فيه. و بالمقابل فإن المتطفل الفكري (لص الصحافة الإلكترونية)، هو شخص ناقص التكوين العقلي و النفسي، و مجوف الثقافة و العلم و المعرفة، فلذلك يسعى الى اختيار ضحيته من الغير لتكون عائلاً له، يسلب منها أفكارها و يغتصب إبداعاتها و يجيرها لصالحه لغرض رخيص بالنفس يسعى الى تحقيقه بكل الوسائل و الطرق بغض النظر عن إباحيتها أو تحريمها كجريمة تفتك بالمجتمعات الإنسانية و تعيث فيها فساداً، و هاديه و ملهمه في ذلك "الغاية تبرر الوسيلة".
كل مجتمع اليوم في عصر العولمة بحاجة الى هيئة تشريعية متخصصة لمكافحة الجرائم الإلكترونية، و وضع تشريعات و جزاءات و عقوبات رادعة للصوص الصحافة الإلكترونية. و هيئة تنفيذية لهذه التشريعات توقع العقوبات بالمجرمين و تمنح الجزاءات للمتعاونين من المجتمع، و بحاجة الى تكاتف المجتمع و تعاونه مع هذه الهيئة التشريعية و التنفيذية التي تحقق في تلك الجرائم و تطبق العقوبات بنفاذ دون هوادة. على قاعدة "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده أو بقلبه أو بلسانه و ذلك أضعف الإيمان".