كنت لا ألقى أحدا من الناس في بلادي هذه، إلا و أفسد عليّ حسن ظني بالناس حتى كدت أن أصير على رأي الشاعر الطغرائي صاحب لامية العجم الذي قال: و ظن بالناس شرا و كن منهم على وجل

 وامتلأ قلبي حزنا على ما فات من جميل أخلاق القوم و أطبق الهم على نفسي حتى كاد يزهقها؛ من خوفي على مصير أبناء الجزائر مستقبلا، و غاب عن ذهني تماما ما ينسب من أثر للرسول الكريم عليه الصلاة و السلام، حيث اثر عنه أنه قال :  أمتي كالمطر، لا يدرى، الخير في أوله أم في آخره"، و امَّحت من ذهني كل تلك الروايات التي كنت أسعد بقراءتها، أو سماعها، عن مكارم الأخلاق و حب الخير، و اتخاذ الصنائع عند الرجال، من مِثل ما روي عن علي بن الحسين رحمه الله من أنه لما مات جاعت آلاف العائلات فعلم الناس لذلك أنه كان يعولها سرا«

فظننت لذلك أن العالم قد أقفر من الخير، و أن الدنيا قد غادرها الإحسان، و شاء الله أن يعيد إلى نفسي الأمل، و إلى قلبي الطمأنينة، حيث جمعني بشاب ظريف ؛هو رئيس جمعية كافل اليتيم بولاية برج بوعريريج ،و كانت المناسبة سبب اللقاء؛ انعقاد الملتقى الوطني الثاني الذي نظمته شعبة جمعية العلماء بولاية برج بوعريريج، يومي ماي  تحت رعاية السيد الوالي عبد الرحمن كاديد، بارك الله فيه و أحسن إليه، و ذلك احتفاء بمرور الذكرى الواحدة و الأربعين على وفاة الإمام العلامة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي «و دار الحديث بيني و بين ذلك الشاب الفاضل، فوجدته يحمل في قلبه هما كبيرا على مصير أيتام ولاية برج بوعريريج ، و حدثني باستفاضة عن مشاريع جمعيته، و ما تطمح أن تضمنه لهم من الرعاية الصحية و التكوين، بل فكرت حتى في حماية حقوقهم القانونية، و عنَّ لي أن أسأله عن مدى تجاوب المحيط مع نشاط جمعيته تلك؛ فأفادني أن لهم مقرا قرر صاحبه بيعه، و رغبت الجمعية في الاحتفاظ به نظرا لموقعه الممتاز ، فقررت شراءه، و لم يكن لديها من المال ما يفي بذلك، فأعلنت للناس عن رغبتها تلك، و إذا بأحدهم يرسل لها مبلغ مليوني دينارا جزائريا فقلت لرئيس الجمعية

احرصوا على أن تشكروا لهذا المحسن إحسانه «

فقال في أسف ظاهر

ليتنا نستطيع ذلك

قلت في استغراب

و ما الذي يمنعكم؟

قال

إن هذا المحسن لم يفصح لنا لا عن اسمه و لاعن عنوانه

فقلت على الفور

صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم حيث قال فيما روي عنه: "أمتي كالمطر، لا يدرى، الخير في أوله أم في آخره"  «

فها هو في الجزائر و في هذه الظروف العصيبة التي يمر بها الوطن بل الأمة العربية و الإسلامية جميعها يبعث الله لنا هذه الإشارة اللطيفة وَ لَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ ليؤكد لنا أن أمة الإسلام مازالت أمة ولودة، تنتج للدنيا رجالا يفعلون الخير خالصا لله، لا يريدون به جزاء و لا شكورا، و لا يطلبون به شهرة أو ظهورا«

فهنيئا لجمعية كافل اليتيم بهذا النمط من المحسنين و هنيئا لأهل البرج بهذا الصنف من الرجال الأتقياء ،و هنيئا للجزائر بمثل هذا النمط الإنساني الرفيع من الأبناء الذين يبذلون بسخاء في صمت و تواضع «اللهم بارك له و فيه ، آمين«