اعتمد الصهاينة منذ تأسيس حركتهم المشؤومة مشروعا معرفيا صبت كل جهوده في دراسة العرب و المسلمين و مقوماتهم الشرعية و الفكرية و التاريخية و الجغرافية و شخصياتهم المؤثرة فترجموا القرآن و كتب السنة و مصادر الإسلام الكبرى من سيرة و تاريخ و درسوا جغرافيا فلسطين و كل المنطقة العربية تبعا لذلك و درسوا الجماعات الفاعلة خاصة ما أطلقوا عليه جماعات " الإسلام السياسي " و كذلك فرق الصوفية باختلافاتها و فرق الشيعة بتناقضاتها من أجل تكوين فكرة عامة عن أعدائهم المسلمين و كيف يستفيدوا من كل طرف و حتى يتسنى لهم المحاربة على دراية و أن يعملوا على هدم الشخصية العربية المسلمة و تقزيم إيجابياتها و تضخيم سلبياتها، و تقديم خدمات علمية معرفية للقادة الصهاينة تساعدهم في التحكم في إدارة الصراع مع المسلمين.
و من بين الشخصيات التي تم التطرق إليها و البحث عن خباياها و استقراء دورها هي شخصية الإمام المجدد عبد الحميد بن باديس قدس الله سره، لما له من فضل كبير على الأمة الجزائرية في استنهاض همتها و توعيتها و تفتيق فكرها لتعرف عدوها الحقيقي و قضاياها المصيرية و طريق الخروج الأوحد من نير الاستخراب البغيض.
ففي كتاب " ظهور الدولة الحديثة في أفريقيا " للمستشرقين ميخائيل افيتبول و دانيال زينسون، اعتبر الإمام ابن باديس أحد القادة الإسلاميين و القوميين الذين ساعدوا على التخلص من الاستعمار الفرنسي للجزائر منذ العشرينات من القرن الماضي.
كما أكد الكتاب أن شعارات جمعية العلماء حملت طابعا إصلاحيا مثل شعارات " إصلاح العيوب، استعادة المسار...الخ " ، إلا أن هذه الشعارات انقلبت إلى شعارات راديكالية بعد فترة من الزمن مثل شعار " الإسلام ديننا و العربية لغتنا و الجزائر وطننا ".
و أما البحث الذي حمل عنوان " حركات التمرد الإسلامية في المغرب العربي " من إعداد المستشرق يعقوب دانيال ، فقد أشار إلى أن عبد الحميد ابن باديس هو أول من شكل الصورة القومية الإسلامية الجزائرية، التي مزجت بين المقومات الدينية و الوطنية القومية، معتبرا إياه القيادي الجزائري الأول الذي عمل على تحقيق استقلال سياسي للجزائر عن فرنسا، و ذلك بما طوره و بثه في نفوس الجزائريين من فكر تحرري ثوري.
كما تطرقوا كذلك إلى موقف الإمام من الحركة الصهيونية، فقد أشار المستشرق يجيئال شالوم نزري - المتخصص في شؤون المغرب العربي - في كتابه " المسلمون و اليهود في المغرب: مجموعة أبحاث جديدة " إلى أن ابن باديس كان من المتنبهين مبكرا للمشروع الصهيوني في فلسطين و له مقالة نشرت في صحيفة الشهاب عام 1938 أعرب فيها عن ضرورة الحرص على المقدسات الإسلامية في فلسطين و عدم السماح بأي مشروع قومي صهيوني بالأراضي المقدسة .
بعد هذه التطوافة السريعة ندرك أن الصهاينة ليسوا نائمين عن الحراك الذي كان و يكون في المنطقة العربية و رجالها المتميزين، و هذا ما يجب أن يدفعنا دفعا لتقصي تراثنا و الاستفادة من رجالنا و الانشغال بميراثهم الطيب الذي بمنهجياته الكبرى حرروا البلاد و قضوا على الفساد و حرروا العباد.
أسأل الله أن يجعلنا خير خلف لخير سلف كرام...
Comments
أؤمن على دعاء الأستاذ الذي ختم به مقالته القيمة، ورحم الله ابن باديس والإبراهيمي والعقبي والتبسي، والميلي، الرجال الذين علموا فعملوا، ونسأل الله ان يوقظ لنا رجالا بهذا الحجم في مستوى الوعي والتفكير والتطبيق.
RSS feed for comments to this post