بات واضحاً للجميع أن البحث عن بدائل للوقود الحفري أصبح أمرًا حتميًا و بالأخص بعد ارتفاع أسعار أشكال الوقود التقليدية، و ما تبعها من إضرابات لسائقي الشاحنات في أماكن متفرقة في أوروبا.
و لكن العلماء كانوا أبعد نظرا؛ فقد عكفوا على الدراسات؛ للبحث عن مصادر أخرى للطاقة، و اقتطعت حكومات الدول المتقدمة جانبًا من ميزانيتها لاستمرار و تطوير هذه الأبحاث، و كانت النتائج مرضية جدًّا، فقد تم تطوير استخدام الطاقة الشمسية؛ لتوليد الكهرباء، و استخدام طاقات المد و الجذر و أمواج البحر كطاقات حركية يمكن تحويلها لطاقة كهربائية، و الاستعاضة بالعديد من مصادر الطاقة البديلة عن الوقود الحفري.
قد يسأل البعض هنا: إذا كانت هناك صور أخرى لمصادر الطاقة فلماذا إذن الاعتماد على الوقود الحفري ما زال مستمراً حتى الآن؟
السبب في ذلك هو أن هذه التكنولوجيات الجديدة ما زالت عالية التكلفة، و لا تصلح لجميع التطبيقات كبديل عن الوقود الحفري، فكما نلاحظ أن أغلب هذه التكنولوجيات تصل في النهاية إلى الطاقة الكهربائية، و على الرغم من أن الكهرباء تستخدم اليوم على نطاق واسع فإنها لم تحتوِ حتى الآن على كل تطبيقات الوقود الحفري، و بالأخص الحيوي منها مثل إدارة السيارات و الشاحنات بالكهرباء، و كذلك فإن معظم هذه المصادر الجديدة للطاقة تعتمد على ظروف مناخية و جغرافية معينة مثل سطوع الشمس لفترات طويلة بالنسبة للطاقة الشمسية و الوجود بالقرب من البحر لطاقات المد و الجذر و حركة الأمواج.
و وسط التحديات التي يتعرض لها العلماء للبحث عن وقود المستقبل الجديد سطعت في الآفاق مجدداً خلايا الوقود (fuel cell) كبديل شامل و عام بدلاً من الوقود الحفري و مع استمرار الأبحاث و تطويرها تظهر النتائج أنه سيصبح وقود المستقبل الجديد.
خلايا الوقود هي صورة من صور تحويل الطاقة الكيميائية المختزنة في المركبات الهيدروكربونية إلى طاقة كهربائية مباشرة.
و الوقود المستخدم في هذه الخلايا هو إما الهيدروجين أو الغاز الطبيعي أو الميثانول بالاستعانة بالأكسجين أو الهواء الجوي.
و تعتبر تطبيقات الهيدروجين من أوسع التطبيقات، حيث يمكن الحصول عليه من التحليل الكهربي للماء (electrolysis of water) .
و فكرة عمل خلية الوقود تعتمد على وجود غشاء فاصل (membrane) من الحديد سطحه مغطى بمساعد حفزي (catalyst) من البلاتنيوم (platinum) و عند دخول الهيدروجين ((H2 يعمل البلاتنيوم على فصله إلى بروتون (protons) و إلكترون (electrons) و يسمح الغشاء الفاصل بمرور البروتونات، و لا يسمح بمرور الإلكترونات التي لا تجد وسيلة للعبور إلا من خلال سلك حول الغشاء الفاصل؛ ليتولد فيض من الإلكترونات في السلك، و الحصول على تيار كهربي مستمر (DC) و في الناحية المقابلة من الغشاء يتحد الإلكترون مع البروتون مرة أخرى و في وجود هواء جوي يتكون ماء (H2O) و حرارة.
و الجدير بالذكر هنا هو أننا نحصل على الكهرباء غالباً من الماء إما من مساقط المياه كما في السد العالي في مصر أو من المحطات البخارية، و كذلك نحصل على الهيدروجين من الماء و الكهرباء معاً بالتحليل الكهربي للماء، ثم باستخدام خلايا الوقود نحصل من الهيدروجين على الكهرباء و ماء مرة أخرى، و هي دائرة شبه مغلقة و متجددة؛ لأن المصدر الرئيسي هو الماء و لا يمكن أن تفنى أو تنتهي مثل الوقود الحفري .
و كذلك تعتبر خلايا الوقود نوعًا من أنواع تخزين الطاقة (storage energy) حيث إنها تبدأ في استخدام الكهرباء في التحليل الكهربي و تنتهي بالحصول على الكهرباء عند الاستخدام.
و عند التجريب العملي لخلايا الوقود وجد أنه تتكون في النواتج بعض من مركبات أكاسيد النيتروجين (NOX) و أكاسيد الكبريت (SOX) و هي أكاسيد ضارة جدًّا، و للتغلب عليها يمكن تركيب ممصّات لهذه الأكاسيد مع الخلية.
أما أهم مميزات خلايا الوقود الهيدروجينية فهي:
1-لا يوجد تلوث أو استهلاك لمصادر الوقود: حيث إن الهيدروجين ينتج من الماء، و بالأكسدة يعود إلى ماء مره أخرى، و لا توجد أي عوادم جانبية ضارة على صحة الإنسان و البيئة.
2-آمنة للغاية: حيث إن تكنولوجيا الهيدروجين لا تحتوي على أية عناصر تسبب أية أخطار ممكنة.
3-كفاءة التشغيل عالية جدًّا: لأنها تحول الطاقة الكيميائية إلى طاقة كهربائية بشكل مباشر مما لا يسبب أي فقد في الطاقة في أي صورة من الصور.
4-هادئة في التشغيل: لا يمكن أن تسمع لخلية الوقود أي صوت أثناء عملها.
5-عمرها أطول و صيانتها أقل.
6-يمكن التحكم في حجمها حسب الطاقة الكهربائية التي تحتاجها للتشغيل.
و تنصب الأبحاث حالياً على إيجاد تطبيقات جديدة لخلايا الوقود؛ حتى تصبح بديلًا لكل صور الطاقة الأخرى، و تكون بحق وقود المستقبل.