إن المتأمل في آي القرآن الكريم و أحاديث السنة النبوية المطهرة ليلاحظ ذاك التواؤم الطبيعي في الحقيقة المجردة العجيب في نظرنا الأعرج بين المجد الحرام في كعبة الله المشرفة و بين المسجد الأقصى المبارك في المدينة المباركة المقدسة.
و تظهر هذه العلاقة أول ما تظهر في الجمع بينهما في أول سورة الإسراء فقد قال الله تعالى ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ).
سبحانك يا الله...و استعمال كلمتي (من) و ( إلى) ذات دلالة عميقة ف (من) المسجد الحرام أي من مكة انطلقت الهداية و شعّ النور و انتشر ضياء الحق في أرجاء البشرية.
من بلادي يطلب الحق و لا يطلب الحق من الغير الغبي
فبها مهــبط وحــي الله بــل قل منها أرســل خـــير نبـي
و (إلى) المسجد الأقصى الذي يتواجد بأرض الشام الكبيرة يكون نهاية دنيا الناس الخداعة و قد صح في الأحاديث أنها أرض المحشر و المنشر.
و المتأمل كذلك في قصص خير من خلقهم الله تعالى من البشر و هم الأنبياء يرى توأمة المكانين في تصرفاتهما، فهذا أبو البشرية آدم عليه الصلاة و السلام هو الذي حد حدود بيت الله المحرّم ثم وضع أسس بيت المقدس بعده بأربعين سنة و ذلك كما في حديث البخاري الذي رواه أبو ذر الغفاري رضي الله عنه حين قال: قلت : يا رسول الله ، أي مسجد وضع أول ؟ قال : ( المسجد الحرام ) . قلت : ثم أي ؟ قال: ثم المسجد الأقصى. قلت : كم كان بينهما ؟ قال : ( أربعون ، ثم قال : حيثما أدركتك الصلاة فصل ، والأرض لك مسجد).
و هذا جدّ العرب و شيخ التوحيد إبراهيم عليه الصلاة و السلام كان في الأرض المقدسة ثم ذهب ليرفع قواعد البيت الحرام في مكة المكرمة.
و هذا سيد الخلق و حبيب الحق محمد صلى الله عليه و سلم يولد في مكة و يعيش فيها ثم يسرى به إلى البيت المقدّس في بيت المقدس ليؤكد الجميع منهم أن القدس إسلامية الهوية عربية المذاق شرقية الطبع و الوجهة.
و حتى لمّا أراد الملك فيصل بن سعود رحمه الله أن يقف في وجه الصهاينة و قال قولته المشهورة ( أمنيتي قبل موتي أن أصلي في المسجد الأقصى و هو محرر ) أمروا صعاليكهم بقتله بيد أحد أقاربه.
و حتى الرئيس الرجل محمد مرسي - فك الله أسره و أعاده لقصره- لما قرر التصدي و لو بالكلام لعدوان الصهاينة على إخواننا الفلسطينيين و قال: ( شعب مصر و رئيسها لا يقبلون هذا العدوان)، أوحى رأس الثعبان إلى ذنبه فقام بالانقلاب الخسيس الذي أشرف على نهايته و هو يحتضر للأبد.
و إن الذي منّ الله عليه منا بشيء من حمرة الخجل و بقيّة من أثر الحياء، ليتصبب عرقا عندما يرى قدس الله المبارك ينتهك من طرف اللقطاء و يصرح شيخ القدس أن الهجمات التي تعرض لها المسجد الأقصى في الستة أشهر الأخيرة لم يتعرض لها طول تاريخه، و حين تكشف التقارير المتواترة عزم الصهاينة المجرمين تطبيق خطة الفصل الزماني و المكاني في الأقصى و بناء كنيس في داخله.
ألا – أجارنا الله و إياكم – خصصوا للقدس من دعائكم في صلواتكم و خلواتكم، و اغرسوا قيمتها في نفوس أولادكم و نشئكم، عسى الله أن يرينا بعد العسر يسرا و بعد الضيق فرجا، و إن لكل يوم غدا و إن غدا لناظره قريب.
محمد سبرطعي/عنابة
This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.