يقول المؤرخ التركي يلماز أوزتونا أنه كان واحدًا من بين أحلام و أهداف الفاتح أن يكون إمبراطورًا على روما موحدة؛ أي الدولة الرومانية الشرقية بعاصمتها القسطنطينية و الدولة الرومانية الغربية بعاصمتها روما، و منذ عام 1453م بدأ يعرف باسم قيصر روم (أي إمبراطور روما الشرقية)، لكن لكي يكون إمبراطورًا على روما كلها و يوحد الإمبراطوريتين الرومانيتين في أوروبا يجب عليه فتح إيطاليا و روما أولًا، و يؤكد المؤرخ التركي شرف الدين طوران في دراسته التي تحمل اسم “حملات الفاتح إلى إيطاليا”، أن الفاتح منذ أن كان وليًا للعهد و هو يتابع أخبار الدول الإيطالية على المستوى السياسي و العسكري و الاستخباراتي، و قد كان هناك جواسيس إيطاليون يمدونه بالمعلومات بعد أن أعلنوا ولاءهم له، و قد لاحظ الفاتح حينها حجم الخلافات الكبيرة و التنافس الاقتصادي و التجاري بين الممالك الإيطالية و جمهورياتها، و لأن الفاتح يعلم الأهمية الدينية و السياسية لإيطاليا، فقد وضع نصب عينه ضرورة فتح روما.
و لهذا حين استطاع الفاتح السيطرة على جمهورية البندقية و جعلها ضعيفة و واهية دبلوماسيًا و تجاريًا، و بعدما استولى على ثغورها في شرق البحر المتوسط و بحر إيجة و البحر الأدرياتيكي، بدأ يتطلع بشدة للسيطرة على روما، و كانت خطته تتمثل في الهجوم المباشر على السواحل الإيطالية من ناحية الجنوب، لا سيما مملكة نابولي التابعة لها جزيرة صقلية؛ و كان كلاهما يخضعان لنفوذ مملكة أرغون شمالي إسبانيا، بينما كان وسط إيطاليا الذي يقع بين البندقية من الشمال و نابولي من الجنوب؛ خاضعًا لسلطة البابوية. و لهذا أراد محمد الفاتح بعد فتح القسطنطينية أن يسيطر على روما، لأنه إن تمكن من ذلك يكون قد هدم قوة العالم المسيحي شرقًا وغربًا، و لهذا بدأ بوضع خطة بالتعاون مع كبار قادته، و أمر بتعيين كديك أحمد باشا كقائد سياسي و عسكري، و كانت خطة الانطلاق تتلخص في السيطرة على ثلاث جزر واقعة بين إيطاليا و سواحل البلقان في البحر الأدرياتيكي؛ و هم زانتا أو زاكينتوس و كفالونيا و إثاكا، كي لا تكون هذه الجزر عائقًا بين العثمانيين في البلقان والبحر الأدرياتيكي و بين المناطق المستهدفة في جنوبي إيطاليا.
و بالفعل استطاع الفاتح السيطرة على هذه الجزر الثلاث عام 1479م، و بحلول شهر يوليو عام 1480م انطلقت حملة بحرية عثمانية مكونة من 40 سفينة حربية ضخمة و 52 سفينة متوسطة و 40 سفينة إمداد و تموين؛ من سواحل البلقان الجنوبية المطلة على البحر الأدرياتيكي، و قد أصدر السلطان قرارًا حينها بجعل ولاية كيفالونيا ولاية مستقلة، مع تعيين رئيس الحملة كدك أحمد باشا واليًا عليها، و على كل ما سيفتح في إيطاليا بعد ذلك.
تبدد الحلم بعد أن أوشك على التحقق
في الثامن والعشرين من يوليو عام 1480م استطاع كديك باشا إنزال قواته؛ 18 ألف من المشاة، و 1000 من الخيالة، و عدد كبير من المدافع، بالقرب من قلعة أوترانتو في ولاية أبوليا الإيطالية، و على الرغم من أن أسطول البندقية كان راسيًا في قاعدة كورفو القريبة، لكنه لم يستطع التدخل بسبب معاهدة 1479م التي كانت بين البندقية و الدولة العثمانية، لهذا استسلمت قلعة أوترانتو بعد حصار دام أسبوعين فقط، حيث فقدت حينها 12 ألف من جنودها من أصل 22 ألف من الحامية. بعدها قسم كديك باشا جيشه لفريقين، انطلق أحدهما ناحية الشمال الشرقي باتجاه برنديزي، و الآخر ناحية الشمال الغربي باتجاه أوترانتو، و لهذا أرسل ملك نابولي حملة عسكرية لمساعدة الإيطاليين، مكونة من 20 ألف مقاتل، و اصطدمت هذه الحملة بالقوات العثمانية و اشتبكوا معهم، لكنهم لم ينجحوا في هزيمتهم ففروا هاربين إلى نابولي مرة أخرى، و بهذا استطاع العثمانيون السيطرة على الجنوب الإيطالي بالكامل في خريف نفس العام.
قرر كديك باشا بعدها العودة و ترك وراءه قوة عسكرية مكونة من 8 آلاف جندي عثماني بجنوب إيطاليا؛ في قلعة أوترانتو، بقيادة خير الدين مصطفى بك، و ذلك بعد أن وصلته رسالة من السلطان تأمره بأن ينتظره في الربيع القادم لينطلقا باتجاه روما و شمال إيطاليا لإكمال عملية الفتح. و بالفعل في الخامس و العشرين من شهر أبريل من العام التالي اجتاز السلطان الفاتح مضيق البوسفور متجهًا إلى روما، و وصل إلى منطقة أسكدار، و بقي فيها يستعد لإطلاق حملة كبيرة لإكمال فتوحاته على إيطاليا، لكن أصابته نوبة مرض فجائية من النوبات التي كان يصاب بها باستمرار؛ إذ كان مصابًا بمرض النقرس الذي لم يكن له حينها علاج، و توفي مباشرة بعد أيام قليلة في الثالث من مايو عام 1481م الموافق الرابع من ربيع الأول عام 886 هجرية.
و حين وصل الخبر للغرب عمت الأفراح، و قال المؤرخ و المستشرق الإنجليزي ستانلي لين بول: “إن موت محمد الفاتح أنقذ أوربا، لأن الدور بعد أوترانتو كان على روما نفسها”، و بعد وفاة السلطان استغل الأمراء الإيطاليون الأمر و حاصروا الحامية العثمانية في جنوب إيطاليا، و بعد مقاومة استمرت لمدة 6 أشهر اضطرت الحامية العثمانية للاستسلام لملك نابولي؛ بعد أن نفد منهم الماء و الطعام، و بهذا تبدد حلم فتح روما بعد أن كان على وشك التحقق.