إن هذه البسالة العظيمة التي يواجه بها دعاة الشرعية في مصر الحبيبة آلة الطغيان و الدمار الانقلابية لنمّ أن وراء الأمر شيئا كبيرا.
أما ترون أن جماعة عريقة كجماعة الإخوان المسلمين ذات الثمانية عقود من النشاط و العمل و التي تقود اليوم الجهاد المدني السلمي من أجل استرجاع الشرعية المنهوبة التي اغتصبها العسكر المصريّ لينعم بفقدها أعداء الأمة و لصوص حرية الشعوب.
أتيت لأكلمكم عن سر هذه الدعوة ذات الجذور و التاريخ و المنهج و الدعوة و الرؤية و الاستبصار لعواقب الأمور، و الحس الوطني و القومي و الإسلامي الذي تربى عليه شبابها و تأصل في صدور و عقول شيبها و كبرائها.
أنا أريد أن أضع اليد على الطريق الوحيد الذي يمكن به للنضال السياسي و العمل المجتمعي أن ينجح و ينتصر و يزدهر في قلوب الناس و عقولهم.
و لكن أبدأ بشيء مهم للغاية، ألا يسأل أي واحد منا نفسه ما هذا الثبات الذي يبديه هذا الشعب المصري الأبيّ في وجه الطغمة المجرمة الحاكمة، كيف يتسنى لهم أن يثبتوا و يقاوموا كل هذا الوقت و تحت نير هذه الظروف العصيبة التي تجعل الحليم حيرانا، و يشيب من هولها الغراب ؟؟؟؟.
و أرى – و الله أعلم – أن هذه الخلطة السحرية و هذا السرّ العجيب يكمن في ثلاثة أشياء:
1) التربية السليمة المستقيمة: هي التربية المعتدلة التي تستقي فكرها و خلاصتها من تربية الحبيب محمد صلى الله عليه و سلم لأصحابه الكرام، هي التربية المقسطة التي تعلم احترام الآخر و التواصل معه مهما كان فكره أو دينه أو منهجه، هي التربية التي تعلمنا أن نقول للمحسن أحسنت و للمسيء أسأت، هي التربية التي تعلمنا العزة و الرجولة و البذل و التضحية و التجرد العميق من أنفسنا و مصالحنا الضيقة لصالح و وجهة وطننا و ديننا و عقيدتنا.
هي التربية التي تعلم مريديها أن النصر لا يأتي أبدا بالفوضى و صراع الطبقات و ثورات الجياع و العشوائيات، و إنما يأتي عن طريق توعية المجتمع بحقه و كيفية طلبه و تعليمه واجباته وكيفية أدائها.
2) الاهتمام بأمور الناس و حوائجهم: فالناس على قدر ما تحس أنها مهمة لأي فصيل ينشط في العمل العام و أنه يسعى للعمل من أجلها و السهر لراحتها و التضحية في سبيل امتلاك كرامتها فإنها تقدم له الخير خيرين، و البرّ أضعافا مضاعفة، لأنها تعلم جيدا أنه هو المنفذ الوحيد لأن تنطلق و تمتلك حريتها الحقيقية.
فالناس تعرف من يعرفها طول السنة و من يعرفها في وقت الحملات الانتخابية ليتاجر بمشاكلها و يصعد أكثر فأكثر على ظهر غبنها و شقائها.
كان شعار أحد الأحزاب في إحدى الانتخابات الماراطونية السابقة " انتخبونا و حاسبونا " فما كان من أحد الظرفاء إلا أن كتب تعليقا لطيفا على هذا الشعار الرنّان فقال " انتخبونا و حاسبونا...إن وجدتمونا ".
3) السلمية في التعامل مع الجميع: و هذا استنانا برسول الله صلى الله عليه و سلم، و أريد أن أنشط ذاكرة قرائنا الكرام و أقول:
هل سلّ رسول الله سيفا على من آذاه و عذب أصحابه و قتل النساء في مكة ؟.
هل خرج رسول الله في دورية أو عصابة لتحطيم الأصنام التي كانت تقدر ب 360 صنم حول الكعبة و هو كان يتعبد الواحد الأحد في جنباتها ؟.
هل هدم رسول الله بيت زنا أو حانة خمر، أم أنه ربى أصحابها حتى كانت أيديهم هي التي تريق الخمر و تكسر الأصنام و تستغفر الواحد التواب.
إن السلمية في الدعوة و حتى في التصدي لأعداء الإسلام من بني جلدتنا و داخل وطننا هو من الوسطية و بصيرة الرؤيا، و هو ما عبرت عنه هذه الجماعة المجاهدة في البيان الذي أصدرته الأسبوع الفارط على لسان أمينها العام، فكان هذا البيان الشمس الواضحة التي أغلقت أفواه المشككين، و قاصمة الظهر لمن أراد ركوب اسم الجماعة لأي أعمال لا تتماشى و أفكارها و رؤيتها و فهمها لدين الله عز و جل.
هذه رسالة واضحة المعالم لكل من أراد أن يعمل من أجل رفعة وطنه و علوّ شأن أمته..فالطريق الطريق..و الحق الحق...و الله الموفق و المستعان.