قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

Saturday, 24 August 2024 09:30

تنكر النسوية لمعاناة المرأة الغزية الخلفيات والمآلات

Written by  أ.د. فضيلة تركي
Rate this item
(0 votes)

بنت النسوية فلسفتها على الصراع مع الأنوثة و الأمومة و الأسرة، بعد أن فقدت المرأة الغربية ثقتها في الرجل نهائيا، نتيجة عوامل متعددة أهمها ابتعاد الغرب عن الدين و تأليه العقل و تبنيه العلمانية؛ ففقد أخلاقه و انسانيته رغم مناداته بحقوق الانسان. و الحقيقة أن قيم الإنسانية لم تسقط في وحل الانحطاط و السفه بالقدر الذي سقطت به اليوم في غزة.
و تبنت الحركات النسوية الدفاع عن المرأة بنبذ العنف بكل أشكاله ضد المرأة و رفضت كل أنواع التمييز بين الرجل و المرأة حتى و إن تعلق الأمر بخصوصيات الشعوب الثقافية، و أعلنت الحرب على كل الأديان و الأعراف و العادات التي تخالفها في المنطلقات و الغايات، و عولمت قيمها من خلال هيئة الأمم المتحدة و فُرضت على العالم الإسلامي اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة على الشعوب باسم حقوق الانسان.
من أهم بنود الاتفاقية حماية المرأة من العنف الممارس ضدها سواء كان هذا العنف في الحروب أو على مستوى الأسرة، و تناولت هذه الاتفاقية كثيرا من البنود التي تعالج هذه القضية، كما ركزت على الدين و العادات باعتبار سلطتهما على الواقع الإسلامي، فاشتبكت مع كل معاني القوامة و الولاية و سلطة تأديب الزوج لزوجته و الطلاق و النفقة و…، فكل هذه الأحكام فيها تمييز ضد المرأة، و لا بد من محاربتها و الثورة على الأطر التقليدية في المجتمعات المسلمة. و قد قامت حركات نسوية في العالم الإسلامي تخدم أهداف هذه الحركات منذ زمن قديم، و كانت بداية هذه الحركات متزامنة مع دخول الاستعمار الصليبي للعالم الإسلامي.
و قد أدانت هذه الحركات العنف الممارس في الحروب؛ و من ذلك إدانتها لما يحدث في الحرب على أوكرانيا فكانت مواقف النسوية داعمة للنساء الاوكرانيات، إلا أن هذه الحركات لم يكن لها الموقف نفسه في الحرب على غزة رغم استهداف الاحتلال الصهيوني النساء و الأطفال بشكل خاص دون غيرهم. و عليه نتساءل لماذا هذا التركيز على الإبادة للمجتمع الغزواي، و لماذا تصمت النسوية الغربية و العربية أمام هذه المجازر المروعة؟
بنظرة بسيطة تظهر إحصاءات الضحايا المدنيين التي تتقدمها النساء نية الاحتلال لضرب الرحم التي تلد المقاومة. فعندما تعلن وزارة الصحة بعد تسعة أشهر من الحرب التدميرية على غزة أن عدد الشهداء بلغ 37900 على الأقل غالبيتهم من النساء و الأطفال، نتأكد أن المحتل يعتبرهم تهديدا حقيقيا.
إن سياسة الإبادة الجماعية لغزة و قتل النساء و الأطفال هو عمل ممنهج و عقيدة صهيونية عملا بمقولة غولدا مائير «كل صباح أتمنى أن أصحو و لا أجد طفلا فلسطينيا على قيد الحياة»، لأن الطفل في التصور الصهيوني مشروع مقاوم، و الرحم التي تنجبه لابد أن تستأصل، فالولادة هي رمز لاستمرار الشعب، و هم يريدون أرضا بلا شعب؛ هذا ما يفسر استهداف المرأة الغزية خاصة في هذه الحرب، فكل ولادة جديدة هي ولادة للأمة…ولادة للحياة… و استمرار الصراع بين الحق و الباطل.
و قد استوعبت المرأة الغزية المؤامرة و جعلت الانجاب سلاحها الأول ضد المحتل؛ فهي تقاوم بالسلاح البيولوجي، الذي تضمن من خلاله الأمة الاستمرار في ظل حرب ضروس على نسلها تارة باسم تنظيم النسل، و أخرى باسم الصحة الإنجابية، و ثالثة حرية ملكية الجسد…، فالمعركة على جسد المرأة _إن صح هذا التعبير_ معركة تدافع حضاري بامتياز، و عندما تصر الغزية على الانجاب و التناسل، فهي تعي جيدا أن حفظ كلية النسل فعل حضاري تولد من خلاله الأمة من جديد، و تتفجر من خلاله المقاومة.
و استهداف العدو الصهيوني للمرأة الغزية ليس فقط لأنها الرحم الولود، بل لأنها مربية و صانعة جيل المقاومة و قد حاولت المنظمات النسوية حرفها عن رسالتها و لم تتمكن؛ ذلك لأن الحركة الإسلامية هناك اهتمت بالمرأة و وضعتها على سلم أولوياتها، فأثمر جهدها خنساوات فلسطين و استشهاديات القسام.
و القرآن يحكي لنا أن منهج المستكبرين و الفراعنة في رحلة الصراع بين الحق و الباطل و التدافع الحضاري بين الأمم قتل الأولاد مما يعني تجفيف نسل العدو حتى يبقوا عبيدا و مستعمرين: ﴿{وَ قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَ قَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَ يَذَرَكَ وَ آلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَ نَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَ إِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ 127﴾ [الأعراف: 127]» و الصهاينة اليوم زادوا على فرعون درجة فلم يكتفوا بقتل الأولاد، بل استهدفوا النساء بالقتل أكثر من غيرهن، لأنهم يعلمون علم اليقين أن المسلمة لا تقبل الاستحياء كما حدث في تاريخ بني إسرائيل.
و هذا المنحى لإهلاك النسل و تجفيفه يلتقي و طروحات النسوية، فإن عرابة الفكر النسوي و ملهمة الموجة النسوية الثانية سيمون دي بوفوار لم تكتف بالمناداة بالمساواة بين المرأة و الرجل، بل ذهبت بعيدا في رفض أي علاقة بين المرأة و الرجل، فاعتبرت الزواج قيدا و الأسرة سجنا و الأمومة استعبادا، و لكي تتحرر المرأة لابد أن تتنكر لأنوثتها و فطرتها، و من هنا ولدت فكرة النوع الثالث “الجندر»، و هذا النوع لا يعترف بالأمومة و الانجاب بل يحاربهما، و ترى سيمون دي بوفوار أن «الأمومة لا تحقق ذات المرأة و لا تفتح أي آفاق جديدة للمستقبل، إنما هي مجموعة من المهمات الروتينية التي كانت النساء تفعلها منذ القدم، فلا الإنجاب يقدم للعالم شيئًا و لا الحياة تتوقف على ترتيب السرير و لا ذاك يعبر عن النفس أو يحققها»، و هذه الرؤية للأسرة و الأمومة جاءت نتيجة فقد الانسان معنى الوجود و غايته، و هذا الفكر الشاذ هو سر شيخوخة الغرب و دخول مجتمعاتهم مرحلة الهرم و الموت.
و من هنا تبدأ رحلة اختلاف الرؤية التوحيدية مع التوجه النسوي؛ فالأولى تعد حفظ النسل مقصدا من المقاصد الكلية الخمس، و سر استمرار الوجود الإنساني، و أن قوة الأمم تكمن في تكاثرها و بنائها الانسان الرسالي، فالتناسل و التكاثر حياة، أما الثانية تراه قيدا و استعبادا و سجنا و شتان بين الرؤيتين.
و هذا التوافق بين الاستكبار العالمي الصهيوني و بين الفلسفة النسوية لم يأت اعتباطا، فله دلالاته؛ فكلاهما يعمل على إضعاف النمو الديمغرافي للشعوب حتى تسهل السيطرة عليها. و منظمات المجتمع المدني و نشاطها المشبوه يصب في هذا السياق و يخدمه بتفكيك القيم الأخلاقية التي تقوم عليها الأسرة، و الاختراق الأخلاقي غير خاف على أحد، و لا أدل على ذلك من رواية «الهوارية».
و موقف النسوية من الحرب على المرأة و الطفل جاء متوافقا مع الصهيونية العالمية، و هو موقف مخز كشف نفاق الحركات النسوية التي صدعت رؤوسنا بالحديث عن العنف ضد المرأة، و كشف مدى تواطؤ هذه الحركات مع السياسة الغربية في تفكيك المجتمعات المسلمة من خلال تفكيك قيم الأسرة.
و الحقيقة أن مراهنة المستعمر على المرأة قصة قديمة بدأت مع الاستعمار الصليبي للعالم الإسلامي؛ بل من مبررات استعماره للعالم الإسلامي مقولة «تحرير المرأة» و نشر الحضارة.
و يذكر فرانس فانون بأن التفكير الاستعماري يرى أنه «إذا أردنا أن نحطم بنية المجتمع الجزائري و قدرته على المقاومة، فلا بد لنا أولاً من هزيمة النساء، ينبغي لنا أن نذهب إلى حيث يختبئن وراء الحجاب، و في البيوت حيث يخفيهن الرجال عن الأنظار» ، و يبدو أن منهج المجرمين واحد مهما اختلف الزمان و المكان ففرعون استحي النساء، و الاستحياء الجسدي أهون من الاستحياء و الاسترقاق الفكري، فصناعة التبعية الفكرية و الغزو الثقافي أخطر على الأمم من الجيوش الجرارة، فالاستعمار و النسوية اليوم يسعيان لتحقيق النوع الثاني لتحويل المرأة لمسخ لا يشبه شيئا، فتنجب عبيدا للاستعمار يخدمونه و يخدمون مصالحه.
إن طوفان الأقصى فضح عنصرية التيار النسوي الغربي بتماهيه وراء الرواية الصهيونية و اعتبار الكيان المحتل رمزا للحضارة و أن أهلنا في غزة رمز للتخلف و التوحش؛ فالمرأة الغزاوية بحاجة للإنقاذ من حماس المصنفة كجماعة إرهابية -بحسبهم-.. و من هنا يبدو أن وظيفة النسوية الغربية الحقيقية تحرير» النساء السمروات من الرجال السمر» كما ادعى الغرب ذلك في العراق و أفغانستان. و كلنا يتذكر تلك الجلبة التي أثارها الإعلام الغربي بعد هزيمة الولايات المتحدة و خروجها من أفغانستان حول المرأة الأفغانية و تباكيه عليها، في حين لم يكن يأبه لها عندما كانت تقصف من القوات الأمريكية و يتطاير جسدها في الهواء.
و من المتناقضات أن تتظاهر النسويات في ساحات لندن لأجل الإيرانية» مهسا أميني» التي توفيت في قضية الحجاب و لا تحرك ساكنا أمام عشرات الآلاف من الضحايا من النساء و الأطفال في غزة. و يبدو أن قناع حقوق الانسان الذي طالما نادى به الغرب لم يعد مقنعا للعالم. و قد كان جوزيف بوريل صريحا عندما حذر من إمكانية خسارة الرصيد الأخلاقي لقارة تتباهى بالتزاماتها المبدئية و شعاراتها القيمية. إن المرأة الغزية فضحت نفاق الحركات النسوية، و صمتها، و سكوتها لأكبر دليل على أنها ليست معنية بقضايا المرأة و لا معاناتها، و أن أنشطتها في العالم الإسلامي تخدم بالدرجة الأولى مصالح الغرب، و هدفها أن يبقى العالم الإسلامي يراوح مكانه و يبقى الغرب مهيمنا عليه.

Read 183 times Last modified on Monday, 26 August 2024 09:37

Add comment


Security code
Refresh

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab