أقولها بمرارة، باتت الأسرة طائر بلا جناحين في زمننا الحاضر، إبن الأخ لا يسأل عن عمته و لا تأبه بنت الخالة بأحوال الخال و الزيارات أصبحت نادرة في توقيت كورونا كوفيد-19، تذهب التعزية عبر رسالة صوتية علي النقال و السؤال عن القريب يقابل بدهشة "عجيب ما الذي حدث لتسأل عني؟"
صلة الرحم في خبر كان في ظل صراع محتدم حول تحصيل المال و كيف أن المصالح المادية غدت الفيصل في العلاقات الأسرية و الإجتماعية ككل.
و مثل هذا الحال لم يتسيد المشهد هكذا بغتة بل نعده نتاج عقود من الزمن ...إنحدار العلاقات الإنسانية إلي مستواها الأدني كفيل بأن يبين لنا ماذا سيكون غدنا و من هو الجيل الذي سيرث الجزائر ؟
تلاشت الكثير من المفاهيم الإيجابية و أسباب إنهيار التماسك العائلي و الإجتماعي معلومة : تضخم الأنا و قلة الإيمان و تقييم كل شيء وفق منظور مادي، فحتي العلاقة الإنسانية وقع تسليعها!!!
منطق "أنا قبل الجميع"أخذ بنا إلي درب مسدود، يعقل أن يتقابل أبناء العمومة في الجنائز و أن يحضر الإبن جنازة أبيه عبر خدمة الفايبر ؟
فالوجود الفيزيائي تضاءل بشكل مخيف، في زمن الجائحة كم من شخص وجد نفسه معزول غير قادر علي الإيفاء بإحتياجاته البسيطة...كم من مرة دق ناقوس الخطر علماء الإجتماع و الأخصائيين الإجتماعيين و التربويين و لم ينفع الخطاب الديني في إعادة الدفيء إلي شبكة العلاقات الإنسانية الإجتماعية و ما نعيشه يوميا ينذر بالأسوأ.
الإنسان كائن إجتماعي بطبعه و هذا التوجه إلي الفردانية و الإعلاء من شأن الأنا بشكل مفرط له إنعكساته الخطيرة علي كيان الدولة آجلا أم عاجلا، ينبغي علينا عدم التسامح مع إنفراط العقد، فالأسرة بمثابة النواة التي يقوم عليها صرح المجتمع و الإضرار بها له عواقب جد وخيمة. صنع الفرد و تكوين المواطن يتم ضمن أطر و حلقة واسعة تكتمل بتفعيل دور المحيط المباشر و الغير المباشر كإسناد و دعم فعلي و إلا سنعرف حياة الجزر المنعزلة عن بعضها البعض.