عندما يطلع المواطن على صحفنا اليومية فيجدها مليئة بالأخبار عن حوادث الطرق الفظيعة، و السطو المسلح، و الصدامات بالأسلحة البيضاء بين الشباب في مختلف الأحياء، أو قطع طريق السابلة و ترويعهم و سلبهم ممتلكاتهم، و اختطاف البنات و الأولاد انتقاما أو طلبا للفدية، يتأكد من غياب الأمن الاجتماعي، و يتساءل و حق له أن يتساءل: أين هي الدولة؟ و ما الذي حال بينها و بين العمل على استتبابه، مع امتلاكها لكل الوسائل البشرية و التقنية لفرضه؟
ذلك أن المبرر الأساس لوجود الدولة هو تكفلها بتوفير الأمن العام الذي يقي أرواح و أملاك المواطنين من أيخطر يهددها، فسواء رجعنا إلى نظرية الحق الإلهي، أو نظرية العقد الاجتماعي، اللتين تفسران نشوء الدول و تشكلها، فإننا نجدها تفسر ظهور الدول بالحاجة إلى الأمن، و منع التظالم بين أفراد المجتمع الواحد، و ذلك لأن انعدام الأمن في المجتمع يفضي بالضرورة، إلى ظهور مفاسد كثيرة تكون سببا في تقويض الحياة الاجتماعية، و تتسبب في تدمير المجتمع و انهياره، و من بين تلك المفاسد، تعطيل الحركة التجارية، فهذه الحركة ستتعطل بسبب انعدام الأمن في الطرقات نتيجة ظهور عصابات تقطع طريق المسافرين، و تعتدي عليهم، و تسلبهم أموالهم و ممتلكاتهم المنقولة، و ذلك سيؤثر لامحالة على الحياة الاقتصادية ككل، فتتعطل الكثير من المشاريع التنموية التي يعول عليها في تقليص البطالة و تنويع الانتاج و مصادر الدخل الاقتصادي، و منها الإضرار بقطاع السياحة فالسواح يتجنبون البلدان التي ينعدم فيها الأمن و لا يستطيعون التنقل فيها آمنين على أنفسهم بليل أو نهار، و من المفاسد الأشد نكرا، أن انعدام الأمن يدفع المواطنين أنفسهم إلى المفاضلة بين أحد الخيارين : إما الهجرة إلى بلد آخر يأمنون فيه على أنفسهم و أملاكهم، و إما الاستعانة بخدمات مؤسسات الحراسة الخاصة لحماية أنفسهم و أملاكهم، و كلا الخيارين مُر، لأن الأول يصيب المجتمع بنزيف يضعفه بشكل خطير لأن الفئة التي تتمكن من الهجرة إلى حيث تريد إنما هي الفئة المنتجة، و أما الخيار الثاني فإنه يشجع على افتعال العدوان و استشرائه، حتى يتسنى لمؤسسات الحراسة الخاصة أن تقدم خدماتها، و من المفاسد الأهم أن تقصير الدولة في ضمان الأمن الاجتماعي سيدفع بالأفراد للتكفل بحماية أنفسهم و ذلك باللجوء إلى اقتناء السلاح، و هذا سيجعل الأفراد على استعداد للجوء إلى السلاح عند ظهور أي بادرة عدوانية، و لنا مثال في الولايات المتحدة الأمريكية، التي يتمتع فيها المواطن بحق حمل السلاح، و أن هذا الحق لم يحل دون التعدي بل تسبب في ارتفاع نسبة الجريمة فيها، إن الدولة مطالبة بتوفير الأمن و إرساء دعائمه في المجتمع و التصدي بحزم لكل من يسعى إلى ضرب أسسه و تقويضه في المجتمع و هي مخولة لذلك بحكم امتلاكها لحق المقاضاة و الحجز و التغريم، و ملزمة بذلك لأن تقصيرها في توفيره يذهب بالمبرر الأساسي لوجودها، و لم يعد لا معقولا و لا مقبولا أن يعتدى على النساء في الشوارع و التلاميذ في المدارس، بل و تقطع الطرق و يعتدى على المسافرين كما حدث في طريق تلمسان أم البواقي أو مثلما حدث لتلاميذ بلدية بازر سكرة بولاية سطيف الذين قطعت طريقهم عصابة و اعتدت على سبعة منهم، و لا بد أن نعلم أن قوة الدولة و عظمتها لا تقاس بقدرتها الاقتصادية، و قوتها العسكرية فحسب، بل هي تقاس قبل هذا و ذاك بمدى استقرارها السياسي و أمنها الاجتماعي، و رحم الله عمر بن الخطاب، الذي وعى هذه الحقيقة، فكان يحرص على توفير كل أسباب الأمن في دولته حتى أنه أُثر عنه أنه قال: لو عثرت بغلة بالعراق لخشيت أن يسألني ربي عنها: لمَ لم تمهد لها الطريق يا عمر...