قال ابن القيم رحمه الله تعالى:" السنة شجرة، و الشهور فروعها، و الأيام أغصانها، و الساعات أوراقها، و الأنفاس ثمرها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرة شجرته طيّبة، و من كانت في معصية فثمرته حنظل، و انما يكون الجداد يوم المعاد، فعند الجداد يتبين حلو الثمار من مرها."
اعمل بأعمال أهل السعادة، و بشر نفسك أنك من أهل السعادة، سئل بن عثيمين سؤالا مفاده أن رجلا يعمل معه زملاء يدخنون أي (يشربون الدخان) فنهاهم عن ذلك و بيّن لهم أنه معصية، فكان جوابهم كالآتي : "لما يهدينا الله نقلع عن هذه المعصية"، فسأل ذلك الرجل العالم الجليل ابي عثيمين رحمه الله في برنامجه نور على الدرب قائلا :" هل صحيح يا شيخ أنّ الله كتب عليهم تلك المعصية، و أنه لا إرادة لهم على ترك تلك المعصية؟ "، فأجابه الشيخ رحمه الله : " هؤلاء كاذبون، لهم إرادة و لهم قدرة على ترك المعصية، لكنهم مستمرون، و يعلقون الأمر على القضاء و القدر، لو أرادوا ترك المعصية لفعلوا، لكنهم يكذبون".
الكثير من الناس لا يفرقون بين القضاء و القدر و مسؤولية الإنسان، فعلنا نحن البشر و قولنا الاختياري مخلوق لله، نعم هذا صحيح، لأن فعلنا و قولنا ناتج عن أمرين، أحدهما القدرة و الثاني الإرادة، فإذا كان فعل العبد ناتجا عن إرادته و قدرته، فإن الذي خلق هذه الإرادة و هذه القدرة هو الله عزّ و جل، يخلق السبب التام الذي يتولد عنه المسبب، إنّ خلق المؤثر هو خالق الأثر، فوجه كونه تعالى خالقا لفعل العبد، لا يخلّي هذا العبد من مسؤولية أفعاله، فعل العبد و قوله ناتج عن أمرين، هما الإرادة و القدرة لولا الإرادة لم يفعل، و لولا القدرة لم يفعل، لأنه لو أراد و هو عاجز لم يفعل، و إن كان قادرا و لم يرد لم يكن الفعل، فإن كان الفعل عن إرادة جازمة و قدرة، فالذي خلق الإرادة الجازمة و القدرة هو الله عزّ و جل، لكن قدرة العبد قاصرة، و قدرة الله نافذة، قال تعالى : (و ما تشاؤون إلاّ أن يشاء الله)، و إلا فالعبد هو الفاعل في الحقيقة، فهو المتطهر، و هو الصائم، و هو المصلي، و هو المزكي و هو الحاج هو المعتمر، و هو العاصي، و هو المطيع، و لكن هذه الأفعال حدثت بإرادة و قدرة مخلوقتين لله عزّ و جل.
أهل السعادة هم أهل الأخلاق الحسنة، و العقيدة الصحيحة، هم أهل صلة الأرحام، هم أهل العفو و الصفح، أهل الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، أهل مكارم الأخلاق هم الأخيار.
لا يكفي أن تكون طالب علم جيّد، و لا تراعي الجوانب الأخرى، أو تكون جارا صالحا و تقصّر مع أولادك و زوجتك، أو تكون أبا عطوفا و لا تستقيم معاملتك مع زملائك في العمل، أبو بكر الصديق و اسمه الحقيقي "عبد الله بن عثمان" رضي الله عنه بما نال تلك المرتبة العالية و المكانة الشريفة ؟ السبب أنّه كان خير الناس لأهله، و خير الناس لأولاده، و خير الناس لأصحابه، و خير الناس لرعيته، و خير الناس لجيرانه، كان خير الناس للناس، كان من الأخيار، و هذا ما ينبغي تحقيقه في حياتنا، علينا أن نحقق الخيرية في كل جوانب حياتنا.
إذا حقق المسلم هذه الأعمال و هذه الصفات في سنته هذه، كانت سنته طيّبة، ليس بالشعارات و الأمنيات، و لكن بالنية الصادقة، و العمل الصحيح، فهو يتدرج في الصلاح، حتى يبلغ مكانة عالية، و تصير سنوات حياته أشجار طيّبة مثمرة تؤتي أكلها في الدنيا و الآخرة يحصد ثمارها يوم القيامة، هذه هي أشجار السعداء جعلنا الله المنّان منهم.
Comments
RSS feed for comments to this post