نحن أمة كرمها الله تعالى برسالة هي خاتمة الرسالات السماوية فأتت متممة ومصدقة لما قبلها من الرسالات متميزة عنها بجوانب عديدة جعلتها صالحة لكل زمان و مكان من يوم أنزلت إلى آخر الزمان بفضل الله.
و من هذه الخصائص التي امتازت بها رسالة الاسلام أنها رسالة العلم و العمل معاً و لا يمكن لهذه الأمة اليوم أن تصلح إلا بما صلح به أولها و هو العلم و العمل بالعلم و كلنا يعلم أن أول ما ابتديء به رسول الله - صلى الله عليه و سلم- من القرآن كلمة (إقرأ) و بها أختصرت كل معاني العلم و المعرفة و بها فتح الاسلام باب التعلم و التفكر... و الاستنباط و المعرفة أمام عقول طال عليها أمد الجهل و امتد إلى قرون موغلة في القدم فأتت هذه الرسالة و الناس يغرقون في ظلام الجهل و حلكة الظلم و ظلمات الخرافة و الخزعبلات و العقائد الفاسدة و الاختلاف الانساني حتى على المعاني الانسانية و لا أدل على ذلك من اعتبار المرأة في بعض الثقافات روح شريرة شيطانية قتلها يوازي قتل حشرة و لا يُسأل قاتلها لم قتلها... و لعل الذين يسلعون المرأة اليوم و يعتبرونها (شيء) و مظهر خارجي قد عادوا إلى تلك الثقافات يعد أن أفلست جاهليتهم و لم يعد فيها ما يروي أرواحهم و عقولهم فماتت انسانيتهم و قلوبهم.
و تظل رسالة الاسلام هي الاكثر دعوة الى العلم و استخدام العقل و تحريره من الخرافات بين جميع الثقافات و الأديان يقول آدم متز في كتابه (الحضارة الاسلامية) أن اوروبا في القرن الرابع الهجري لم يكن بها اكثر من عدد محدود من المكتبات التابعة للأديرة و لا يعرف التاريخ أمة اهتمت و إعتزت باقتناء الكتب كالمسلمين فقد كان في كل بيت مكتبة).
و لم يعف المسلم من طلب العلم تحت أي ظرف من الظروف بل اعتبر أن بعض العلوم فرض عين على كل مسلم فقول رسول الله - صلى الله عليه و سلم- [طلب العلم فريضة على كل مسلم] و قوله: "اطلب العلم و لو في الصين" خير دليل على دفع المسلم إلى طلب العلم و الخوض في بحره من أقصى شاطئ إلى أقصى شاطئ و لقد فاضل الله تعالى بين خلقه بقوله: "قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون" فرجحت كفة العلماء على كفة الجهلاء رجحاناً عظيماً...
جعل العقول النيرة تنهل من شرف التعلم و التفقه و السعي الجاد لتحصيل أقصى درجات الحكمة [فالحكمة ضالّة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها].
و لقد فهم المسلمون الأوائل هذه التوجيهات الربانية على حقيقتها فاطلقوا للعقول حرية التفكير و منحوها كامل الارادة في التجريب و التحليل و انطلقوا في رحاب العلم يتعلمون و يعلمون وفق شرع الله و دون خروج عمّا فيه رضاه فلم تمض سنوات قلائل إلاّ و البشرية كلها تدين لهم بالمعرفة و تشهد لهم بأنهم أول من أنار طريق الحضارة بمصابيح وقودها الإيمان و قناديلها القلوب التي عمرتها مخافة الله و طاعته و شعاعها الحقائق الموصولة بالدين فلم يتعارض لديهم الشرع مع علم صحيح و لم تختلف طريق القرآن و السنة عن طريق الحقائق التي تملؤ الكون و لم يقف دينهم عائقاً أمام خير البشرية و إصلاحها و البحث فيما ينفعها من العلوم الدينية و الدنيوية فبرعت و برزت أسماءٌ لم تمحها الأيام من ذاكرتها تضيء كالنجوم في ليل ظلام الجهل المطبق الجهل الذي جعل بعض الأمم تقتل صانع الآلة الطابعة و تعتبره تلميبذ الشيطان أو تلك الأمة التي اعتبرت الدين حكراً على الكهنة و رجال الدين أو تلك الأمة استباحت كل محرمات الله باسم الدين و لم يكن مسموحاً بها حتى بتلاوة الكتاب المقدس على اعتبار أن العوام ليس من حقهم أن يتعدوا على ملكية العلماء و هم طبقة (رجال الدين) فكانت انطلاقة الأمة المحمدية فاتحة خير للبشرية كلها حيث أن طلب العلم فريضة و شيئاً فشيئاً بدأت اليقظة العلمية بين الأمم التي احتكت بها أمة الاسلام و بدأت تفتح باب التعلم و التجربة أمام شعوبها و بذلك يكون لأمتنا فضل السبق بين الأمم في فتح باب ليس له حدود تغلق و لا أسوار تنصب بين العقل و الدين بل تآخى العقل و الدين معاً فصنعا مجداً انسانياً و تراثاً فكرياً و علمياً عصياً على الزوال إلى آخر الدهر و لكن قدر الله لهذه الأمة الرائدة أن يخلو منها عرش العلم لأسباب كثيرة لعل أهمها انشغال الأمة باللهو و الترف و سياسة التجهيل التي مارسها عليها اعداؤها ممن واتتهم الفرصة لامتلاكها و استعمارها و تمزيق أواصر وحدتها ردحا لا يستهان به من الزمن و لكن الجذوة المتقده في صدور أهل الغيرة على الدين و أهل العلم الصالحين الجادين و كتاب الله قبل ذلك و سنة رسوله الكريم - صلى الله عليه و سلم- كلُّ هذه الأمور مجتمعة كفيلة بأن تعيد للأمة وجهها العلمي و الحضاري فتعيد مجدها و تعتلي عرشها الذي خلا منها لسنين طويلة و تتبوأ مكان الصدارة بين الأمم. فالرجوع الرجوع إلى منابع الدين أيتها الأمة العظيمة يا أمة القرآن عليك بالقرآن و يا أمة محمد - صلى الله عليه و سلم- عليك بسنة محمد و يا أمة العلم و العمل عليك بالعلم و العمل فهذه هي الطريق التي عليك أن تسلكيها مع إخلاص النية و صدق العزيمة " و قل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله والمؤمنون" والله من وراء القصد.
الرابط :
Comments
I like what I see so now i am following you. Look forward to
exploring your web page yet again.
RSS feed for comments to this post