قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

Wednesday, 06 January 2016 08:21

المسلمون بين الدنيا والآخرة.. الفصام النكد

Written by  بقلم الأستاذة إحسان الفقيه
Rate this item
(0 votes)

"ليس من طبيعة الدين أن ينفصل عن الدنيا، و ليس من طبيعة المنهج الإلهي أن ينحصر في المشاعر الوجدانية، و الأخلاق التهذيبية، و الشعائر التعبديّة، أو في ركن ضيق من أركان الحياة البشرية".

بتلك الكلمات أشار الأديب و المفكر الإسلامي سيد قطب في كتابه "المستقبل لهذا الدين" تحت عنوان "الفصام النكد"، إلى وهم الانفصال بين عمل الدنيا و الآخرة، و هو الداء العضال الذي أصاب الأمة في مقتل، و جعلها تتنكّب عن طريق السباق الحضاري، و رضيت أن تكون في ذيل الأمم.

*توهُّم التعارض بين الدنيا و الآخرة، هو أحد المفاهيم المغلوطة التي رانت على حياة المسلمين، فحسبوا أن الفوز بالدار الآخرة يستلزم ترك الانشغال بإصلاح الدنيا و الأخذ بأسباب القوة و الحضارة، و اختزلوا الدين في بعض الشعائر التعبدية و القيم الروحية، و ابتعدوا عن مهمة الاستخلاف التي بموجبها يتعين الانطلاق إلى إعمار الأرض وفق المنهج الرباني.

*هذا الفصام النكد كما ذكر الدكتور محمد العبدة في رسالة "الدين و الدنيا"، قد صنعه الفهم الخاطئ لنصوص الكتاب و السنة، كقوله تعالى {و ما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}، و قوله صلى الله عليه و سلم {اتقوا الدنيا{.

فالقرآن لا يذُمّ الدنيا مُجرّدة، بل مقارنة بالآخرة، و يذمُّ الاغترار بالدنيا و الرضى بها حظا و غاية، و يذمُّ تقديم العمل من أجل تحصيل الملذات العاجلة على حساب التزود ليوم الرحيل.

كما يذم القرآن الدنيا "لتنبيه الغافلين و خاصة ذوي النفوذ من أصحاب المال و الجاه، و ليس مراد القرآن إهمال الدنيا و اقتلاعها من أصلها، بل تصريفها في أغراض الحق".

و كذا الشهوات لا تُذم مجردة، و إنما بما يتعلق بها من الشر، فالله تعالى فطر عباده عليها، و محال أن يفطر الله عباده على شر مجرد {زين للناس حب الشهوات من النساء و البنين و القناطير المقنطرة من الذهب و الفضة و الخيل المسومة و الأنعام و الحرث}، فمن حصّلها بحقها من حِلّها فقد هُدي، و من أخذها من حرامها فقد شذّ.

و مما أوجد هذا الفصام النكد، غيابُ التركيز على واقع القرون المُفضّلة، و العدول إلى أحوال المتأخرين ممن جاؤوا بعدهم، ممن بالغوا في حقيقة الزهد و حرفوا معناه الأصلي، إلى زهد آخر مصطنع، لم يعرفه جيل الصحابة و التابعين، فصار الزهد جوعا و ثيابا مرقعة و بطالة و تواكلا و أحزانا لا تنقطع.

*و كانت النتيجة البائسة التي ساق إلينا التاريخ من أخبارها، أن الغزاة كانوا يحتلون بلادنا، بينما في الأمة من يواجههم بحلقات الذكر بدلا من السيف و السنان، حتى أن بعض العلماء كانوا يصنفون في الزهد و الرقائق بينما طوفان الحملات الصليبية يبتلع القدس، و لم يتطرقوا إلى الجهاد طرفة عين.

*هؤلاء تلبسوا بمفاهيم مغلوطة في القضاء و القدر، و اعتبروا أن مقارعة الأعداء اعتراضا على قدر الله.

كثير ممن أصابهم الفصام النكد، جعلوا ترك الدنيا سُلّما إلى الآخرة، و علامة للصلاح، فقالوا أن الرجل لا يبلغ منزلة الصديقين، حتى يأوي إلى مزابل الكلاب، و يترك زوجته كالأرملة، و فاتهم أن سيد ولد آدم أجمعين، قال لمن ظنوا التنطع و ترْكُ الدنيا دينا و زهدا: (لكني أصوم و أفطر و أصلي و أرقد و أتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني).

*هؤلاء وقعوا أسارى بعض عصور التكلّف، و أقوال علماء أو زهاد جاءت في ظروف معينة، فجعلوا منها منهاجا، كمن قيل عنهم أنهم اعتزلوا الناس للتبتُّل و الانقطاع للعبادة.

لو سلّط هؤلاء الأنظار على جيل الصحابة خير القرون، لرأوا أنهم كانوا كما قال الشاطبي " بين عامل في سوقه، و عامل في أرضه، و مسافر يبتغي من فضل الله، و هم القدوة لمن سواهم، و لم يكونوا يتحاشون من ذلك، و لا يلحقهم فيه كسل. و كان الغِنى من مقاصدهم، و التكسب من شأنهم، و على صحة ذلك اتفق العلماء رضي الله عنهم".

*لم يُعرف عن الصحابة من سعى للفقر و التحلل من المال، بل كان فيهم الأثرياء الأتقياء المبشرون بالجنة، أمثال "أبو بكر الصديق"، و "عثمان بن عفان"، و"عبد الرحمن بن عوف"، و"سعد بن أبي وقاص"، و"الزبير بن العوام"، و كلهم كان ذا مال.

بل علّمهم إمامهم و قدوتهم صلى الله عليه و سلم، طلب الغنى، فكان من دعائه (اللهم إني أسألك الهدى و التقى و العفاف و الغنى).

كانوا يعملون، و يتعلمون، و يجاهدون، و يضحكون و يمزحون، و يلاعبون الأطفال، و ربما انقلب أحدهم على ظهره من فرط الضحك، و لما سئل عبد الله بن عمر: هل كان الصحابة يمزحون؟ قال: "نعم، و الإيمان في قلوبهم كالجبال".

يا قوم لم ينزل الله دينا لإصلاح الآخرة و آخر لإصلاح الدنيا، هو دين واحد، يُصلح تلك القنطرة التي تكون معبر الناس إلى آخرتهم، و يُصلح تلك الأخرى التي فيها معادهم..

ذلك الارتباط الوثيق لم ينفك إلا في حس المتوهمين، الذين اعتقدوا الدنيا و الآخرة ضُرّتين لا تجتمعان، و طريقين لا يلتقيان.

النبي صلى الله عليه و سلم يقول (إن قامت الساعة و في يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها) فماذا يفعل الغرس في هذا التوقيت و ما جدواه؟

لكنه يُعلم أمته أن الدنيا و الآخرة، و الأرض و السماء، يقعان في حسبة واحدة، يقول الأستاذ محمد قطب رحمه الله: "أول ما يخطر على البال من هذا الحديث، هو هذه العجيبة التي تتميز بها الفكرة الإسلامية: أن طريق الآخرة هو هو طريق الدنيا بلا اختلاف و لا افتراق...، إنهما ليسا طريقين منفصلين أحدهما للدنيا و الآخر للآخرة، و إنما هو طريق واحد يشمل هذه و تلك".

*و ليست هذه النظرة الانفصالية قاصرة على فترات تاريخية معينة، فقد امتدت إلى واقعنا المعاصر و أخذت أشكالا و أنماطا و ترجمات مختلفة في الواقع، قد لا أبالغ إن قلت أنها قد غزت بعض المحاضن التربوية في حقل الدعوة.

فبعض فصائل العمل الدعوي تربي الشاب على هذه النظرة، فيبدأ في مقت الدنيا و التقوقع في المساجد، إيمانا منه بأنه قد اختار ما عند الله، و آثر الآخرة الباقية على الدنيا الفانية، و ربما أثّرت تلك النظرة على مستقبله الدراسي، فما فائدة أن يزاحم الآخرين في الجامعات على اختلاف مشاربهم و درجات التزامهم أو بالأحرى تفريطهم في تعاليم الدين.

*اختزلْنَا الدين العظيم في بعض الشعائر التعبدية، و لو أمعنَّا النظر في حقيقة ديننا، لوجدنا أن ولوج عالم الصناعات و التقنيات و العلوم المختلفة هو من صميم التعبد، حتى أنه جعلها من فروض الكفايات، التي إن لم تجد من يقوم بها على النحو الكافي تحولت إلى فروض عينيه.

الإسلام بريء من هذه الأوهام التي سيطرت على العقول و المسالك، لذلك أقول و أكرر دائما: هي معركة وعي و صراع مفاهيم، و لن تنهض هذه الأمة من سباتها، إلا بعد فهم صحيح للإسلام في نسخته الأولى، و هي مهمة الدعاة و العلماء و المصلحين.

http://www.odabasham.net

Read 1464 times Last modified on Friday, 08 January 2016 01:24

Add comment


Security code
Refresh

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab