(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
السبت, 25 آذار/مارس 2023 07:42

التربية و الصوم..وقفات و معالم

كتبه  الأستاذ حسان عبد
قيم الموضوع
(0 أصوات)

تمثل العبادات والواجبات الدينية ساحة واسعة و مهمة لعمل التربية، بما يساهم في بناء شخصية إسلامية متوازنة و إيجابية، تؤدي نشاطها الاجتماعي و الحضاري في توازن نفسي و اجتماعي في آن واحد. و من ناحية أخرى فإن العبادات لم تفرض لذاتها و إن كان جوهرها “الامتثال” لحكم الله و طاعته، إلا أن الشارع جل و علا أردف حكمه بالغاية من أداء العبادات و هي تحقيق “التقوى“، و التقوى فعل باطني و ظاهري في الإنسان يشمل الاعتقاد الوجداني و السلوك الاجتماعي معًا.

فهي مظهر و جوهر لحركة الإنسان و علاقاته العليا (مع الله) و علاقاته الأفقية (مع الناس). نتناول في هذه المقالة أحد العبادات المفروضة و هي “الصوم” في تأمل لأهم أبعاد  تلك العبادة و ظلالها التربوية، و أثرها في واقع الفرد و المجتمع.

ماهية الصوم

الصوم: ترك الشيء و الإمساك عنه.. فالامتناع عن الكلام يسمى صومًا )إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا([1] و الإمساك: تعريف عام للصوم يشمل الإمساك عن الفعل مطعمًا كان أو كلامًا، أو مشيًا. و الصوم في الشرع إمساك المكلف بالنية من الخيط الأبيض إلى الخيط الأسود عن تناول الأطيبين، و الاستمناء، و الاستقاء[2]. و عن كل ما يفسد الصوم. فالصوم في هذا الفضاء اللغوي يعني تحقيق الامتثال بالامتناع عن القيام بالفعل من خلال الجوارح في وقت محدد و معلوم يسمى بوقت “الصوم”، و الصوم في القرآن جاء على نوعين: صوم عن الكلام، و صوم عن الطعام و الشراب، كما جاء الصوم فريضة و تطوعًا و كفارةً عن ارتكاب بعض الذنوب و المعاصي.

و أشهر أنواع الصيام صوم رمضان الذي هو ركن من أركانه الإسلام “بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدًا عبده و رسوله، و إقام الصلاة،  و إيتاء الزكاة، و صوم رمضان، و حج البيت، “[3]. فهذه دعائم خمس للإسلام يمثل “الصوم” أحد أركانها. تزكية النفس الصوم عبادة خفية لا يعلم حقيقتها و مصداقية العبد في أدائها إلا الله تعالى، و لا يطَّلع فيها البشر على تلك الحقيقة، قال الله عز و جل “كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي و أنا أجزي به”[4] ، و الصوم –أيضًا- عبادة ترتبط بتفعيل فعل “المراقبة” الذاتية من الصائم لله تعالى، و تحري الالتزام الباطني بأوامر “الغيب”، و من ثم يتحقق فيها تجديد الإيمان بالغيب، و تجديد عمل الوجدان بالارتباط بهذا الغيب و إمعان التأمل فيه من خلال الاعتقاد التام – للصائم – بمراقبة الله تعالى له، و إثابته على تلك العبادة التي يرتبط أداؤها بالإخلاص و الصدق و الأمانة كشروط أساسية لهذه العبادة التي هي بالأساس “سر” بين العبد و ربه.

إن تنشيط حالة “مراقبة الله”، و الاعتقاد الوجداني الجازم بإطلاع “الله” على فعل “الصوم” للعبد، يرقى النفس الإنسانية بما تحمله من انفعالات و أحاسيس نحو “خلوص” العبادات لله تعالى، “و خلوص” العمل في الظاهر – كما في الباطن – لله تعالى و تصويب نية الإنسان و عزمه و مقصده بأن يكون نحو الله كاملاً في كل الأفعال و الأقوال و الأحوال. و من ناحية أخرى يحقق “الصوم” فضيلة “العفة” فشطر الحديث ” .. يدع شهوته و طعامه من أجلي”. فالله تعالى يباهي بالصائم  الذي يترك الحلال، و يمتثل للغيب في هذا الترك، فالأولى بالإنسان الذي ترك الحلال في الصوم أن يترك الحرام في الصوم و غيره، إن الامتناع في “السر” عن الحلال من منطلق الإيمان بالغيب، و استحضار الله تعالى، يكون تربية و بناء دافعية الامتناع عن الحرام “في السر و العلن”. و عند الحديث عن علاقة التربية و الصوم، نجد أن الصوم يأتي مهذبًا لنشاط الجسد و نشاط غرائزه الجنسية فهذا نداء النبوة للشباب “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر و أحصن للفرج، و من لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء”، أي وقاية.

إن الانحرافات التي يمكن أن تحدث بسبب نشاط الغرائز عند الشباب و مقابلتها عدم القدرة على الزواج يمكن أن تواجه بالصوم الذي يرتبط بتحقيق غاية “التقوى” و التي يقوم فيها الإنسان باستحضار معية الله في نظراته و سكناته و حركاته فتقل الإثارة، و يوجه نشاط الإنسان الصائم إلى غير معصية الله في ساعات الصوم التي ترتبط بتوهج يقظة حواس الإنسان و حركته. إن الصوم يوفر للإنسان مقومان لفعل التزكية (التطهير) و هما– المراقبة بالغيب لله تعالى، و استحضار الله في جملة النشاط و الحركة الظاهرة. فتظل نفس الإنسان متعلقة بطلب الكمال في القرب من الله تعالى على هذا النحو، و تسعى إلى التطهر الذي يمكِّنها من تحقيق غاية القرب في أكمل صورها.

التربية الفقهية

يتضمن الصوم جملة كبيرة من التعاليم الفقهية التي ينبغي للمسلم أن يكون على إلمام و معرفة و علم بها، حيث أنها – تلك التعاليم الفقهية- تمثل أحكام أحد أركان الإسلام الخمسة. و العلم في هذا الباب فرض على كل مسلم بالغ عاقل، و يفضل التنشئة على تلك التعاليم لمن يتهيئون لدخول مرحلة البلوغ أيضًا، أي الذين يدخلون مرحلة وجوب الصوم، صوم الفريضة. و قدمت كتب الفقه أبوابًا متنوعة في الصوم، تتضمن عددًا من التعاليم الفقهية المستمدة من القرآن والسنة النبوية، و من أهم هذه الأبواب:

1 – أنواع الصيام: الفرض، التطوع، الكفارات، النذور.

2 – أحكام الصيام .

3 – مفطرات الصيام.

4 – مبيحات الصيام.

5 – مستحبات الصيام و مكروهاته.

6 – قضاء الصيام، ما يستحب منه و ما يكره.

7 – ما يكره و يحرم من الصيام.

و من أكثر أنوع الصيام التي أشار إليها الوحي عند التعرض لآيات الصيام هو ما يتعلق بصيام الكفارات كما في الآيات الآتية:

1 – ما يتعلق بالإخلال بإحدى شعائر الحج (البقرة 196، المائدة 95).

2 – ما يتعلق بكفارة الظهار (المجادلة 4) .

3 – ما يتعلق بالقتل الخطأ (النساء : 92) .

تعد هذه التعاليم الفقهية ضرورية لبناء ذاكرة إسلامية أصيلة تنمي وعي المسلم و تساهم في تكوين ثقافة إسلامية راشدة تحفظ للمسلم وعيه “الفقهي”، الذي ينعكس بالضرورة على سلوكه و نشاطه الحضاري بصفة عامة، و سلوكه الاجتماعي اليومي.

التربية الاجتماعية و الأخلاقية في علاقة التربية و الصوم، يعيد هذا الأخير ترتيب العلاقات الاجتماعية، و تجديد الإطار الأخلاقي للمجتمع المسلم، قال صلى الله عليه و سلم“… فإن كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث، و لا يصخب، و لا يجهل، فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم”.[5] فالمجتمع الصائم: مجتمع يخلو من فحش القول، و ينقي نفسه من الجهالة و التسفيه و التنابز بالألقاب، و يهيمن التسامح و اللين و البشر على خُلق أفراده الصائمين، و دفع السيئة بالحسنة، بما يعضد من لحمة علاقاته الاجتماعية و يجدد تشييدها. إن المجتمع الصائم الذي يتوجه بكل خلجاته و انفعالاته نحو الله تعالى مجتمع أبعد من أن يُفسد هذا التوبة و هذا التوجه الروحي بالتشاحن و القتال، فهو أقرب في سلوكه إلى التغافر منه إلى المنابزة، و أقرب إلى التواد منه إلى البغضاء، و أقرب إلى البنيان المرصوص (الصف الواحد) منه إلى التشرذم و العنصرية و الطبقية فوحدة التوجه الداخلي (للصائمين) يوجب بالضرورة وحدة التوجه الخارجي لهم ) يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ( [الصف/4].

كما أكدت النبوة أن الغرض من الصوم ليس هو الجوع و العطش، أو الصبر عليهما، أو اختبار قدرة الجسد على التحمل، و لكن قصد الصوم كما تبيّنه النبوة الراشدة هو تطهير المجتمع من سوء الأخلاق و فحشها،  قال صلى الله عليه و سلم ” ليس الصيام من الأكل و الشرب، و إنما الصيام من اللغو، و الرفث، فإن سابك أحد، أو جهل عليك فقل إني صائم إني صائم”. بل إن فعل التزوير و المساعدة عليه و الوقوع فيه ينقض الصيام من أساسه قال –صلى الله عليه و سلم-“من لم يدع قول الزور و العمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه و شرابه”. و ينعي – صلى الله عليه و سلم- على أولئك الذين لم يحصِّلوا من صومهم إلا مشقة الجوع و العطش و فقط و تركوا لجوارحهم العبث في المجتمع، بالتنابز و القتل و شهادة الزور و سوء الخلق على الجملة  “رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع .[6] و من أخلاق الصائم الاجتماعية – أيضا – الجود، أي البذل و العطاء الغزيرين و كان رسول الله –  صلى الله عليه و سلم – أجود الناس، و كان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، و كان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة في صومه.

التربية الزمنية الـ(زمن) – كما عرفه ابن منظور – هو اسم لقليل الوقت و كثيره، و يجمع على أزمان و أزمنة و أزْمُنٌ. و ترتبط عبادة (الصوم) بالمواقيت و الوقت و الزمن بدءًا من معرفة شروع الصوم حتى الإفطار، و معرفة بدايات الشهور، و نهايتها التي يتحدد في ضوئها صيام الفروض و النوافل و السنن. و فيما يتعلق بصيام الفريضة – شهر رمضان- فإنه يتصل الأمر بمعرفة بدء الشهر –أي دخوله- و كذلك نهايته أي خروجه، يقول صلى الله عليه و سلم  “صوموا لرؤيته و أفطروا لرؤيته”[7]، و الرؤية هي ميقات تعرف به بداية الشهر و نهايته – و الصوم نفسه في اليوم يتطلب معرفة (الخيط الأبيض من الأسود من طلوع الفجر) ليشرع الصائم في صومه، أو غروب الشمس و زوالها ليفطر. إن عبادة “الصوم” ترسم خارطة زمنية لتوقيتات المسلم تتضمن حدود الصوم: بدايته و نهايته، و هذه التوقيتات و إن كانت مسئولية عامة للمجتمع، فإنها مسؤولية أفراده أيضًا.

قال الترمذي في قوله -صلى الله عليه و سلم- ” صوموا لرؤيته و أفطروا لرؤيته”: تُقبل شهادة رجل واحد في الصيام –أي دخول الشهر- و زاد الشوكاني في الصيام و الإفطار، أي دخول الشهر و خروجه. و مع تقدم الأجهزة الفلكية فإن المسلم عليه أن يكون عالمًا بكيفية إدراك دخول الشهر و الخروج منه لاسيما و أن الأمة كلها ملتزمة بهذه الرؤية. و كذلك في بدء الصيام لليوم الواحد(الخيط الأبيض من الخيط الأسود) و الإفطار (تحقق غروب الشمس). تربية حدود العلاقة بين الزوجين يقدم الصوم نوعًا آخر من التربية للصائم يتعلق بالعلاقات الزوجية -حال الصيام- بما يتوافق مع مبدئية الشريعة في مراعاتها للفطرة الإنسانية، و حتى لا تتضارب غايات الشريعة و تسير في تكامل و توازن لتحقيق بناء الشخصية المسلمة صوب غاية التقوى – كما ذكرنا في مقالة سابقة )فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ (اليسر العملي في الشريعة الإسلامية –    هذا النوع من التربية الذي يوضح حدود العلاقات بين الزوجين في وقت الصوم و الذي أباح الشارع فيها قيام العلاقة الزوجية كاملة- أثناء الإفطار و التوقف عنها أو الامتناع أثناء الصوم – لعلمه تعالى بطبيعة النفس و قدرتها على التحمل، )عَلِمَ  اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَ عَفَا عَنكُمْ( [البقرة/187] و جعل من هذه العلاقة مباحًا و حلالًا بعد أن كانت محرمة ) أحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ( [البقرة / 187] و ذلك من أجل رفع الحرج و تجنب المشقة.

هكذا ترسم عبادة الصوم خارطة للتربية الإسلامية تتضمن التزكية الوجدانية (باستحضار النية و المراقبة لله تعالى و التعلق بالغيب) و الجانب المعرفي ( بالتعرف على الأحكام الفقهية الواجبة للصائم) و الجانب الاجتماعي (و يتضمن السلوك الاجتماعي للصائم و ما ينبغي أن يكون عليه سواء في علاقاته الزوجية الخاصة، أو علاقاته بالآخرين في المجتمع بصفة عامة) و كذلك التربية على تقدير الوقت و العناية بالزمن باعتباره محورًا رئيسًا في أداء هذه العبادة التي تقوم مثل كل العبادات على التوقيت و الزمن.

 

[1] أحمد عبد الفتاح: القاموس القويم للقرآن الكريم، ص386. [2] الراغب الأصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن، ص500 . [3] رواه البخاري و مسلم. [4] رواه البخاري و مسلم. [5] رواه البخاري و مسلم. [6] مسند عبدالله بن المبارك. [7] رواه البخاري.

الرابط : https://islamonline.net/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D9%85-%D9%88%D9%82%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85/

قراءة 527 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 29 آذار/مارس 2023 07:04