كنت في انتظار الخبز الساخن الذي اعتدنا عليه من مخبزة الحي القريب من حينا .. و كنت مشغولة بآلام تنخر كتفي فتجعلني ذاهلة عن طوابير المنتظرين معي .. ابتعدت قليلا عن ضوضاء الطابور إلى بوابة المخبزة أرقب المارين أمامها و عيني لا تكاد ترى منهم أحد، فخاطري مع كتفي و كتفي به ألم .. و فجأة لفتت انتباهي امرأة متوسطة العمر تحدث فتاة بجانبها بلكنة بدت غريبة لأول وهلة، ثمّ دققت بها فإذا هي تتحدث العربية الفصيحة و لكن بلكنة الأجانب .. و من غير شعور مني التفت إليها و ألقيت لها سمعي و بصري فقد كانت هي أيضا تحدث الفتاة و تخصني بالكلام من حين لآخر..
كانت الفتاة تودع امرأة أخرى بقولها ( باي – باي ) فعلقت صاحبتنا بابتسامة كأنها تعلمها بأدب جم :
( قولي السلام عليكم أفضل .. هي تحيتنا و تحية الإسلام و تحية أهل الجنة )، و كانت تحدث الفتاة عن الإسلام بحب كبير و تقدير عظيم فشدتني أكثر، و تجاذبنا أطراف حديث بحجم دقائق الانتظار للخبز .. علمت من خلالها أنها مغتربة من والدين مسلمين من مدينتنا لكنها ولدت هناك في الغربة، و عجبت لفصاحتها فسألتها من علمها العربية فقالت أنهم والديها .. و حدثتني عن تفاصيل جميلة لا تخلو من حب أصيل لدين الله في كل حرف ذكرته، و بدت على خلق كريم و تربية أصيلة بفضل والديها مع أنها ولدت في بلاد الكفر.. و في لحظات معدودات نقلت لي شحنات حب و تقدير لهذا الدين العظيم ..
ثمّ خرج الخبز الساخن ليقطع سخونة حديثنا و ساعدتها في وضع الخبز في كيسها فابتسمت شاكرة.. و همست لها قاصدة : (معرفة خير إن شاء الله و انظري للإسلام و لا تنظري للمسلمين ) .. في ثوان خشيت عليها أن تخرج من باب المخبزة فتصطدم بألف موقف و موقف لمن هم مسلمون بالفطرة فقط فتغير نظرتها للإسلام أو ينقص حبها و تقديرها له .. لكنها ابتسمت ابتسامة مطمئنة كأنها تقول لي : بأن الرسالة وصلت و أن الإسلام في قلبها راسخ لا تزعزعه سخافات المسلمين .. فاطمأن قلبي ..