هل مصيرنا المشترك في هذا الكوكب لا يعني مسؤولي واشنطن؟ أم أن الأزمة الاقتصادية الأخيرة مطية لتفادي مزيد من الحذر في التعاطي مع ملف البيئة؟
من اجتماع إلى آخر، و من تقرير إلى أخر، لم يفلح أحد في الضغط على الدول الكبرى، و ها أن روسيا تهدد بالانسحاب من معاهدة كيوتو! كأن المصالح الضيقة لكل دولة على حدا أهم من كل شيء، وهذه مغالطة يقع فيها السياسيون ويشجعهم عليها الجمهور المعني أكثر بغلاء مستوى المعيشة من انعكاسات الاحتباس الحراري الخطيرة.
وهل يعقل أن تنظر الدول الصناعية الكبرى إلى مسألة خطيرة مثل الاحتباس الحراري بهذا القدر من الاستخفاف؟
لن نستغرب ذلك، لأن و باعتراف كبار خبراء الاقتصاد مثل جوزيف أ.ستيلغيتز وجيريمي ريفكين، يلعب المال دور جوهري في تحديد مسارات الدول. فماذا ننتظر نحن الشعوب المستضعفة؟ لدينا كل الأسباب التي تجعلنا في موقع قوة، نحن ندفع الضرائب، نحن من ننتج و من نستهلك. الخيارات البديلة
موجودة، وتبدأ من أبسط الاحتياجات. هناك تجارب ميدانية رائدة يخوضها صغار الصناعيين؛ مثل ذلك المهندس الزراعي الذي اعتمد حركة الريح في دفع المياه نحو الحقول، أو ذلك المقاول الذي راهن على الطاقة الشمسية، فأعان مزارعين على استبدال الغاز بالطاقة الشمسية لتشغيل الآبار و إنتاج الكهرباء. كل شيء ممكن متى توفرت الإرادة الصادقة، مع قليل من المال و الإمكانيات.
في إحدى قصصي الطويلة بعنوان:"في يوم ما كان هناك ملكا" باللغة الفرنسية تخيلت عودة الناس إلى استعمال الخيل كوسيلة تنقل مثلى. ففي عالم متسارع وملوث، للحصان مزايا لا يغيبها عامل كسب الوقت. ما حاجتنا في حرق المراحل وتوريث أبناءنا عالما متهالكا؟ لست مثالية، لنقطع دابر الفساد و الإسراف علينا باستعادة علاقة بعضنا ببعض و بالطبيعة؛ و قد قال في هذا السياق إرنست همنغواي:" لا تعيد الآلات إنتاج نفسها، و لا تستطيع إخصاب الأرض و تأكل ما لا تنتج!" و هذه حقائق ثابتة. ماذا غنمنا من وتيرة حياة جنونية؟ سوى الأعاصير، فما تخلفه من دمار و خسائر ليس في وسعنا تعويضه. و مهما يكذب السياسيين، لم تعد تنطلي حيلهم و خطاباتهم علينا. لا نلون الواقع بالأبيض و الأسود بل ما يريد الكثيرون منا إرساءه هو ثقافة الإنقاذ الذاتي. فالعمل الفردي و الجماعي وحده قابل للتأثير إيجابيا، و في زمن كل الوسائل متاحة لتضافر الجهود والمبادرات، فما الذي يمنع من العمل المنظم الفاعل؟
قلما يفرد المواطن جزأ من وقته لينتصر لقضاياه، و نادرا ما نعي قيمة الجهد المبذول في سبيل حياة أحسن. كلما نطالب بقليل من العمل التطوعي، تعبس الوجوه و يتهرب البعض من الإجابة بدواعي شتى. مجرد أن تكتب سطرا، تكون قد دفعت جانبا جهل ما. فكيف بالحفاظ على بيئتنا؟ بين صور الطفولة و الحاضر، أقوم بعملية مقارنة، فأجد نفسي مضطرة لبذل المزيد و المزيد، و عندما أخاطب أمهات؛ أول ما ألح عليه أن يغرسوا في أبناءهم حب الوطن و الوعي المدني. في كل الأحوال، نحن ننطلق من واقع ما، وقد شاهدت بأم عيني العمل الجمعوي في الولايات المتحدة الأمريكية و لامست الاختلاف الكائن بيننا و بينهم، و ما ينقصنا النهوض بمسؤولياتنا، و بما أن المواطنين هناك ينتخبون في اقتراع محسوم، أقول أنهم بالرغم من ضغوطهم الممارسة للحد من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، فهم يعلمون بأن لا أحد من المرشحين قادر على مواجهة المصالح الكبرى للشركات العابرة للقارات، إلا أنهم لا ييأسون، فكيف بنا نحن هنا؟
و هل نعرف دورتهم الحضارية؟ فمستوى التصنيع عندنا أقل منهم، وبمقدورنا تلافي أخطاءهم و العمل على تحديث البني التحتية أكثر مواءمة للمقاييس البيئية، علينا بتطوير لغة الحوار و سياسة الإنجاز، و التطوير في حد ذاته نقلة من مرحلة إلى أخرى، نعمل و نجرب و طبعا لا نتحول إلى فئران مخابر.
بعض سكان نيويورك بعد مرور إعصار ساندي و الانتخابات الرئاسية قالوا:
"أنقذنا إعصار ساندي من رئاسة جمهورية" و هذه مبالغة، و لكن عندما ينقذنا الإعصار من وهم "كل شيء على ما يرام" هذا مكلّف و محفّز من الدرجة الأولى.