فنري نحن بأن الحرية التي نتجت عن تحرك شعبي ضخم لمحاصرة المستبدين و الفاسدين خلقت حالة فريدة من نوعها، بات كل فرد و جماعة أحرار في تقديم مطالبهم و تصور مصير متلازم مع شرط الحرية، لأن الحرية كافلة لكرامة الإنسان و هذا ما أسس له الإسلام كدين يكرم في الإنسان ذكاءه قبل كل شيء و لا يتاح للإنسان إعمال فكره دون تمتعه بهامش من الحرية و هذا الهامش الذي كان محروما منه لعقود و منذ جلاء القوات العسكرية الإستدمارية الغربية عن أراضيه ها هو يستعيده عن جدارة من خلال حركة عفوية لم تقودها نخبة أو قائد!!
فهل لنا أن نمعن النظر في مسببات هذا الربيع العربي ؟
لا، لسنا مطالبين بذلك لأننا جميعا نعلم و بصفة عامة ما هي الأسباب التي أدت إلي إسقاط بن علي، مبارك القذافي، عبد الله صالح و قريبا الأسد و قائمة المستبدين مفتوحة طبعا. ما نود مناقشته فيما يلي :
هل الحرية التي تولدت عن إرادة شعبية واعية من المحيط إلي الخليج، تسمح لنا بتحقيق أهم مطلب و هو الإستقلال الحضاري ؟
هل الحرية التي ننعم بها اليوم بفضل تضحيات ملايين علي مدي عقود من الزمن إن لم نقل مئات من السنين، تضمن لنا صيرورة صحيحة للإتجاه الحالي الذي بدأ يتبلور في أذهان البسطاء و الخاصة علي السواء ؟
و هل ما توصلنا إليه من خلال الربيع العربي هو الهدف المنشود أو ما هو إلا بداية محتشمة لكنها أكيدة لإسترجاع زمام المبادرة من الشركاء الكونيين، كي نضيف إلي ما هو قائم تلك اللبنة التي تحدد سلامة التوجه الحضاري ؟
نحن علي يقين بأنا نعيش توقيت فريد غير قابل للتكرار و قد آن الآوان لنسلتم دفة تصحيح الأوضاع و هذا ما يعترف به حتي الأعداء و علي مضض.
بقدر ما اثبتت أحداث 11 سبتمبر 2001 سذاجة تفكير مدبروها و قلة حيلتهم و إجرامهم هذا إذا ما فعلا كان بن لادن و جماعته خلف هذه الإعتداءات بقدر ما أكد الربيع العربي لكل المنافسين الدوليين أن المستقبل للإسلام و المسلمين. إنطلاقا من هذا التصور الذي يوافقه نعوم شاومسكي:" 19 ديسمبر 2010 تاريخ إندلاع أحداث بن بوزيد في تونس أظهر عنفوان شعوب عربية إعتقدنا خطأ أن روحها العظيمة ماتت بفعل ضربات الإستبداد الموجعة و الهيمنة القاهرة التي مارسناها عليها علي مدي قرون."
فالعالم اليوم من كراكاس إلي واشنطن إلي باريس مرورا ببروكسل و برلين و موسكو و طوكيو و بيجين يعلم أن ساعة الحساب قد دقت لم تدق كما سينفخ في الصور يوم القيامة و إنما صفحة غلبة الجنس الأبيض كما وصفها صاموءيل هاتنغتون قد طويت و بدأت صفحة جديدة يرسم معالمها ملايين من المجهولين في تونس و القاهرة و صنعاء و الرياض إلخ...
فقناعة الغرب المؤسساتي تأكدت بأن هيمنته علي وشك التلاشي في عالم متدافع، فأن تتجه وكالة الإستخبارات الأمريكية إلي رسم معالم عالم إفتراضي تكون فيه الولايات المتحدة الأمريكية قد أصبحت دولة عادية ككل الدول بدون نفوذ أو قوة جبارة هذا دليل ساطع آخر عن بدايات الإستعداد لدي العواصم الكبري في قبول بالترتيب الجديد الذي فرضته إرادة الشعوب المنتفضة.
لا نريد لهذه الثورات الشعبية أن تغرق في تفاصيل إجراءية كما هو الحال الآن في مصر، فالجدل علي أشده هناك فيما يخص صلاحيات مؤسسات الدولة المتنازع عليها، بينما تلح الحاجة علي الجميع لمراعاة سلم أولويات و أولها تلبية مطالب شعبية بسيطة، كالإقتصاص للمظلومين و محاربة الفساد.
نحن قلنا بأن المعني بأمر النهضة و التحول الحضاري هو الإنسان لأنه الرأسمال الحقيقي و الثابت الذي لا يزول إلا بطي السجل، فكيف بنا نذهب إلي قضايا ملها الناس و قد نفذ صبرهم ؟؟؟