تتعرض اليوم الأغلبية الساحقة من المصريات و المصريين لقصف إعلامى مكثف يروج زيفا لجدية و تنافسية مشهد الانتخابات الرئاسية القادمة، و يتجاهل الحقائق الكبرى المحيطة بالانتخابات.. ترشح وزير الدفاع السابق للرئاسة بعد أن تدخلت المؤسسة العسكرية فى السياسة فى يوليو ٢٠١٣، سيطرة المؤسسة العسكرية و الأجهزة الأمنية على الحكم و تحالف النخب الاقتصادية و المالية معها، انتهاكات واسعة للحقوق و للحريات، أعمال إرهابية متتالية تنهك الدولة و المجتمع و تساعد على فرض فاشية الرأى الواحد و الصوت الواحد و الموقف الواحد و مرشح الضرورة / البطل المنقذ بثنائية «من ليس معنا فهو ضدنا»، أوضاع اقتصادية و اجتماعية و أمنية متردية تسهل مقايضة الخبز و الأمن بالحق و الحرية، تحصين اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية. تجرد الحقائق هذا المشهد الانتخابى القادم من الجدية المرتبطة بتكافؤ الفرص بين المرشحين و غياب خطر انحياز الدولة و مؤسساتها لمرشح بعينه، و تنزع عنه التنافسية التى تضمنها عدالة القوانين و نزاهة الإجراءات و يرتبها انفتاح الفضاءات السياسية و الإعلامية على ممارسة التعددية و الاشتباك مع انتخابات غير معلومة النتائج سلفا.
ذات القصف الإعلامى الذى تتعرض له أغلبيتنا الساحقة هو الذى سبق و أن تعرضت له خلال الأشهر الماضية و عبر محطات متتالية؛ تشويه ثورة يناير ٢٠١١ و تخوين كل من ارتبط بمطالب الديمقراطية و العدالة الاجتماعية التى رفعتها و رفض أيضا تدخل المؤسسة العسكرية فى السياسة و ترتيبات حكم ما بعد ٣ يوليو ٢٠١٣، التعتيم على انتهاكات حقوق الإنسان و الحريات التى صاحبت فض الاعتصامات و المسيرات و تجاهل ضحاياها ممن فقدوا حياتهم أو زج بهم إلى المعتقلات و أماكن الحبس و الاحتجاز ثم تبرير الانتهاكات كضرورة تفرضها «الحرب على الإرهاب» و الدفاع عن المتورطين بها كأبطال، تأييد تمرير نصوص دستورية و قانونية قمعية ــ جواز محاكمة المدنيين عسكريا و قانون التظاهر ــ و الصمت التام عن توظيف الحكم للنصوص هذه لقمع و تعقب المطالبين بالديمقراطية، التعامل مع القيود المفروضة على الأصوات المدافعة عن الحقوق و الحريات إما بصيغ تبريرية تقصى الرأى و الموقف الآخر و تدعم من ثم القيود المفروضة على المغردين خارج السرب أو بسد الآذان و إغماض الأعين عن القيود و التخلف عن التضامن مع ضحاياها.
اللافت للنظر أيضا هو أن هوية المتورطين فى القصف الإعلامى الحالى المرتبط بالانتخابات الرئاسية و الهادف إلى تزييف وعى الناس عبر إقناعهم بجديتها و تنافسيتها تكاد تتطابق مع هوية الذين روجوا / برروا لتشويه ثورة يناير ٢٠١١ و للخروج عن الديمقراطية و لانتهاكات الحقوق و الحريات خلال الأشهر الماضية. هى ذات الأسماء و الأقلام و الوجوه التى وظفت لإنجاز المرحلة الأولى من إعادة عقارب الساعة إلى الوراء و تزييف الوعى - مرحلة التشويه و التخوين و ربط إنقاذ مصر من أزماتها بالمؤسسة الوحيدة القادرة (المؤسسة العسكرية) و بالبطل المنقذ (وزير الدفاع السابق)، توظف اليوم لإنجاز المرحلة الثانية من تزييف الوعى - مقايضة الخبز و الأمن بالحرية و اختزال الوطن و قضاياه فى شخص واحد و التبرير طويل المدى للابتعاد عن الحق و العدل و الحرية تحت لافتتى «مقتضيات الحرب على الإرهاب» و«ضرورات المرحلة».
كارثية تداعيات القصف الإعلامى على السياسة التى أميتت و نزعت الجدية عن مشاهدها الرسمية و على الساحات الإعلامية التى أصبحت أشبه بطواحين مهولة تنتج ضجيجا رديئا بلا محتوى لا تختلف أبدا عن كارثية تسلل كلمات/ عبارات/ مقولات المتورطين فى القصف هذا إلى مجمل النقاشات العامة فى مصر و تلقفها من قبل بعض الكتاب و السياسيين الجادين الذين دافعوا طويلا عن الديمقراطية و الحقوق و الحريات قبل يوليو ٢٠١٣ و توقفوا عن ذلك بعدها. هؤلاء أيضا يتحدثون اليوم عن ثورة يناير الحالمة، و عن بعض المدافعين عن حقوق الإنسان كممولين من الخارج، و عن مرشح الضرورة للرئاسة كمنقذ للدولة الوطنية، و عن جدية الانتخابات الرئاسية و تنافسيتها؛ و يصمتون تماما عن وقوع انتهاكات الحقوق و الحريات و عن خطرها هى و جغرافيا الظلم المنتشرة على الدولة الوطنية و على تماسك المجتمع و سلمه الأهلى، و يصمتون عن كون فاشية الصوت الواحد و الرأى الواحد الراهنة لا يمكن أن تفضى إلى تحول ديمقراطى ما لم تواجه بكافة الوسائل السلمية المتاحة و عن ضرورة مقاومة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء و الدفاع عن حق المصريات و المصريين فى دولة مدنية عادلة و مجتمع متقدم و متوازن.
الرابط:
http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=27042014&id=2b6feec8-1000-435d-8b2a-56338a602fc6