لو تجسدت الرحمة على الأرض لكانت الأم الحنون و الأخت الرؤوف و البنت العطوف و الزوجة الودود. فالمرأة هي الرحمة التي تنزلت على آدم تؤنس وحدته و تذهب وحشته و تداوي آلامه و تزرع آماله قد تولدت من حناياه و نبتت من جسده، فجاورت قلبه و انشقت من بين أظلعه. فهي بضعة منه تحن إليه حنو الجذع للجذر و الغصن للجذع. فهو وطنها الذي سكنته و ملاذها الذي إءتمنته فما الذي جرد آدم من طبعه، فاستأصلها من نفسه فعاد الآمان عنده خوفا منه و الملاذ إليه مفرا عنه ما الذي دهاه فحطم قارورة الروح و اجتث ريحانة القلب و هي الزجاجة. كسرها لا يجبر و لبس ثوب العدوانية في معاشرتها فلا تسمع أذنها إلا فض الكلام و لا ترى عينها إلا فض الفعل و هي في هذا و ذاك تتجرع الحرمان أجمعه (فحتام تؤخذ بالقوة* *و يقتص منها و لم تذنب)
قد أسدل على روحها ستار حالك السواد فهو ليل سرمدي لا يطلع نهاره. فيا حسرتاه على شقيقة الروح و لا معتصما يجيب. ... و كأن تقول بصوت صامت: (و كانت نفسي على مر الزمان عزيزة* *فلما رأت هواني على الذل ذلت) فإن نعجب فعجب لها في مجتمع الرحمة تعاني الأمرين من عنف اللفظ و الجسد ""و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ""الأنبياء 107 ""فبما رحمة من الله لنت لهم و لو كنت فضا غليظ القلب لانفظوا من حولك "آل عمران: 159 فما مأساة معاناة المرأة في مجتمعنا إلا مأساة غياب الرحمة في القلوب و حلول الجفوة و ما فض التعامل إلا أشواك تزهر في أرض القلوب التي لا تمطر الروح فيها بغيث الرحمة الذي يحول أشواكها رقة و حنانا يقول تعالى ""و جعلنا بينكم مودة و رحمة "" الروم: 21 و لكن آسفاه على المرأة، فهي قبس من الرحمة ضاع مع ضياعها و لا نملك إلا أن نقول: (و ضاق الفؤاد بما يكتم* *فأرسلت العين مدارها).