قبيل عام من الأن وصلتني رسالة من أنثى، لا أعرفها اسما أو شكلا أو حتى واقعا، كانت الرسالة على شكل استشارة و مضمون الرسالة كله حسرة و لوعة و ألم، و الذي فهمته من الرسالة أنها امرأة غُرر بها من رجل حيث أنه وعدها بالزواج ثم هجرها دون سبب على حد قولها و تقدم لخطبة صديقتها المقربة، و من فترة بسيطة سمعت بقصة مشابهة حيث أن الرجل ترك الفتاة و تزوج قريبتها، لأنها تفوقها بعدة أمور من شكل و مال و حسب.
و بغض النظر عن هذه القصص المتكررة مؤخرا، و بغض النظر عن مدى مصداقية هذه القصص، و مدى قذارة هؤلاء الرجال و خستهم إن صدقن هُنَّ في قصصهن، إلا أنّ القضية باتت شائكة و متكررة كثيراً في السنوات الأخيرة و هو أمر يستدعي وقفة جادة للبحث في أسباب المشكلة كمشكلة عامة، و لكن قبل الخوض بالمسببات هناك نقطة مهمة تغفل عنها الكثير من الإناث على وجه تحديد و لا بد من إدراكها، و لا بد من الصدق مع أنفسنا بها و الاتفاق عليها.
ألا و هي أن في كل الحالات لا أدري لماذا تتعامل المرأة مع الرجل بمبدأ أنها الضحية التي يُغرر بها و هي لا حول لها و لا قوة، و أن ليس لها أي يد بالموضوع، متناسيةً أنها مخلوق مكلف كالرجل تماما، عندها عقلها الذي ستحاسب عليه، و عندها عملها الذي ستُسال عنه، و لولا موافقتها لما حصل ما حصل، و إن كان الرجل يتحمل تبعات مسؤوليته من خداع و تغرير، فالمرأة أيضا محاسبة على تسليمها نفسها للرجل و ثقتها العمياء و نسيان حق الله، و عدم مراعاة أحكام الله في تعاملها، و تساهلها معه، و هذه نقطة مهمة و منتشرة و تساق من قبل كل الإناث المُغرَر بِهن، و لا بد من الإقرار بها قبيل الحديث عن المسببات الرئيسية و العامة.
و في ضوء هذه القصص لاحت ببالي بعض المسببات و التي باتت مشكلات عامة نعاني منها مؤخرا في مجتمعاتنا بكثرة، و أجزم أن هذه المشكلات تشكل السبب الرئيسي وراء قصص كهذه:
أولا: في السنوات الأخيرة كنت مطلعا إلى حدٍ ما على مشاكل الكثير ممن حولي و أسرارهم، و الحق يقال أن الذي أدركته و اكتشفته أن مجتمعنا يعاني من أزمة بل من كارثة أخلاقية و نفسية و تربوية، و هي معقدة بشكل مخيف جدا، فما بين تدين سطحي شكلي، و أمراض نفسية، و تضييق فكري، و تربية فاسدة، و تفكك أسري، و أزمات اقتصادية، نتجت هذه الكارثة الكبيرة مخلفةً بشراً غير أسوياء أبدا، كل همهم كيفية اشباع شهواتهم و فقط و لو كان ذلك على حساب غيرهم من النفوس على مبدأ (اللهم نفسي و فقط).
ثانيا: لاحظت و صدقا بلا تحيز أن السبب في كثير من الأحيان في مقل هذا النوع من المشكل يعود "للذكور" دون الإناث، بل و في مراجعة ذهنية سريعة لما أذكر من حالات كنت على إطلاع بتفاصيلها كانت نسبة الخلل الضخم عند الذكور في مقابل مثله عند الاناث نسبة تصل لضعفين أو ثلاثة، و لولا خوف المبالغة لزدت في النسبة، ففي عشرات القصص التي أعرفها لا يحضرني سوى القليل من الحالات كان المخطئ تماما فيها الأنثى، و الباقي يحوز الذكور على النصيب الأكبر في سبب المشكلة، و قلة من الحالات فقط هي التي ترجع لعدم التوافق التي نعبر عنها بـ (قسمة و نصيب).
و في معظم الحالات تشمل مشاكل الرجال اللامبالاة و عدم تحمل المسؤولية أو الخيانة أو الدياثة أو استغلال الزوجة أو الأنانية المفرطة. قائمة ضخمة من السلوكيات المرضية و المنحرفة التي تؤكد أن عنصر الذكور يحتاج لإصلاح ضخم و إعادة تربية متزنة في زماننا، و لا محيص من التفتيش عن الأسر الطيبة و التدقيق في أصل التربية السوية، و عدم الاغترار بالتدين الشكلي.
فالخلاصة أن هذا الزمان يحتاج من كل عاقل أن يتحسس موضع قدميه، و يعلم ما له و ما عليه، و أن يفتش عن الأصول قبل القشور، و عن الحقائق قبل الظواهر، وا لله بعدها يتكفلُ بالباقي، و لا نقول هلك الناس، فالخير لا زال قائم و موجود، و لكنها إشعارات تحذيرٍ و تنبيه لمجتمعٍ يتعامل مع الحياة بسطحية مغرفة.
الرابط : http://blogs.aljazeera.net/blogs/2018/4/26/%D8%B6%D8%AD%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%B9%D8%AF-%D8%B2%D9%88%D8%A7%D8%AC-%D9%83%D8%A7%D8%B0%D8%A8