سلسلة " حكايا الانتظار "
في قاعات الانتظار قد تختم قراءة رواية كاملة .. ثمّ تستمع لحكايات من حولك فتلهمك بكتابة ألف رواية ..
دخلت المسجد في إحدى ليالي رمضان المباركات، و صليت ركعتي تحية المسجد ثم تقدمت أسد الفراغات، فوجدت مكانا شاغرا بجانب بُنَيّات جميلات، ابتسمت لهن و جلست أنتظر العِشاء ذاكرة الله و شاكرة فضله، فإذا بي ألمح مصاحفهن موضوعة على الأرض فعز علي المنظر، و نزعت وشاحا كنت أضعه على كتفي وطويته ثمّ وضعت المصاحف بلطف عليه دون أن أنبس ببنت شفه و كأنّ البنيات فهمن قصدي فبادلنني ابتسامة ملفوفة بخجل من يدخل المسجد لأول مرة و لا يفقه آدابه كثيرا ..
صلينا العشاء ثم وقفنا نصلي التراويح فبادرنني البنيات يسألنني : ( طاطا أين وصل الإمام ؟ )، فأخذت مصاحفهن و أريتهن موضع الآيات التي وصلنا لها و داعبت من كان مصحفها صغيرا كيف سأرى و لم أحضر النظارات، و كنت في كل مرة أريهن الموضع إذا اختلط عليهن و سألتهن عن أسمائهن و كن يعاملنني بتلقائية لطيفة كأنهن يعرفنني من زمن و كأن قلوبهن البريئة ألفت المكان و ذهب عنهن اضطراب الخجل، و الجميل أنهن كن إذا سجدن وضعن المصاحف على الوشاح و لم يضعنه بعد على الأرض أبدا.
ودعتهن في ختام الصلاة بابتسامة و مضيت لشأني، و بعد يومين أتممنا التراويح و خرجت في ساحة المسجد و جلست كباقي المصليات أنتظر صويحبات المسجد لنعود أدراجنا سويا لبيوتنا .. فإذا ببنات تسبقهن ابتسامات مشرقة يلقين عليّ التحية و يقلن لي ( صح فطورك طاطا و ربي يتقبل .. عرفتنا ؟؟ )، و مع أنّ ذاكرتي لا تسعفني دوما في مثل هذه المواقف و تضعني في مواقف كثيرة محرجة، و لأنني غاليا لا أدقق في الأشكال و لا الأسماء بل تطبع في ذاكرتي المواقف فحسب، إلاّ أنني في هذه المرة ذكرت أشكالهن و أسماءهن و الموقف الجميل الذي جمعني بهن .. و قلت: رحيل و رتاج .. أهلا .. و عرفتهن بنفسي ثمّ عرفت منهن أنهن اجتزن امتحان شهادة الابتدائي فداعبتهن بأننا سنأكل ( الغرايف ) باروك نجاحهن إن شاء الله فسألنني عن مكان المدرسة القرآنية التي أديرها و وعدنني أنهن سيأتين لي به حين تعلن النتائج ..
كان موقفا بسيطا .. ثمّ حديثا خاطفا لكنه ممتع جدا مع فتيات رائعات أحسست بحبهن و ألفتهن في وقت قصير لا يكاد يذكر .. و تساءلت .. كم من فتاة و بُنَيَّة تدخل المسجد لأول مرة و هي تحمل صورة ناصعة عن رواده ثمّ تجد صدودا و تنفيرا بتصرفات لا تليق برواد المساجد أصلا .. و ماذا تخسر الواحدة حين تحتوي تلك الزهرات المفتحة لتثمر نشأ صالحا بإذن الله .. و صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم حين قال : " إن البر شيء هين وجه طليق و لسان لين " .. فليت المصلون يحتوون هذه الزهرات بدل أن تنفتح خارجا في مستنقعات و العياذ بالله.