"كيف أعتذر لكم و أنتم تهينون أنفسكم يوميا عند عتبات قنصلياتنا و في أراضينا؟؟"
لست ممن يشطب على الماضي، و لست ممن يتناسى ما نحن فيه من هوان، كيف يقدّر لعلاقة متوترة و مشحونة بكم هائل من الفظائع و الجرائم أن تصبح علاقة متوازنة، يستمد منها الطرفان الثقة، و يتبادلان في إطارها المصالح؟
يصعب عليّ كابنة مجاهد أن أنظر إلى فرنسا بغير انفعال، وقد أثرت دهشة تلاميذ قسم نهائي حينما قلت لهم بأن كرامتنا كجزائريين تقضي بأن لا نتكلم الفرنسية، و أن نستبدلها بلغتنا الجميلة العربية أو اللغة الإنجليزية في كل كتاباتنا.
-كيف ذلك أستاذة؟ اللغة الفرنسية لغتنا الثانية و هي ضرورية جدا. صرحت مغتاضة إحدى التلميذات.
هكذا أقنعنا أبناءنا جيل بعد جيل، الفرنسية هي كل شيء و أنه يصعب التخلي عنها، فهي محرك الثقافة و الاقتصاد، كم من مرة سمعت كلاما صارما حول الأهمية القصوى لفرنسا. يا إلهي كم نحن نناقض أنفسنا و تاريخنا!!
كل تلك التضحيات طيلة قرن و اثنتان و ثلاثون سنة لا تشفع في أعين بعض أشباه المتنورين من أبناء جلدتنا، فبزعمهم نحن لا نستطيع الاستغناء عن حليب فرنسا؛ وعن استثماراتها، من المؤكد أن الرئيس الفرنسي يكون على علم بذلك، و بالغ في استغلاله كعادة الأوصياء المتكبرين.
فأي استقلال ننعم به، و أي وطنية يتبجح بها بعض المسؤولين السياسيين الذين يتلاعبون بمشاعر المواطنين؟ من ثماني سنوات لمسنا رغبة غير مفصوح عنها رسميا لدى الدوائر العليا في الدولة لشد العلاقات على مستوى المطالب المشروعة من اعتذار، و تعويض، و استرداد الأرشيف المسروق، لكن هذه الرغبة كانت تتعامل بمزاجية مع ملف خطير و غاية في الحساسية، و النتيجة أننا عمليا و في أرض الميدان هناك تضييق على أصحاب المبادرات الجدية، نحرم من العمل المباشر، و من يسمح له عليه بتقديم الولاء، و هذا ما لا أوافقه شخصيا.
فرنسا باقية في الجزائر إلى ما شاء الله، باقية؛ لأن عقل الجزائري لم يتحرر من الوصاية الفرنسية عليه في كل شيء، من التأشيرة إلى فواتير الماء و الكهرباء المحررة بالفرنسية. نعيش الاستقلال الحقيقي حينما يغالب العادة المواطن البسيط ليفرض واقعا قاهرا على من هم أعلى منه. في اليوم الذي لن نشتري فيه السيارة الفرنسية، ولا نحتفل فيه بأعياد رأس السنة في باريس، وهذا اليوم ليس غدا. فالطريق ما زال طويلا، خاصة أن أجيال اليوم تكره الحديث عن التاريخ وتتفنن في تقليد تقليعات فرنسا. فهؤلاء الشباب لا يريدون حديثا عن جرائم فرنسا بل كما قال لي أحدهم:
"أليست جرائم بني جلدتنا أبشع من فظائع العدو الفرنسي، فهذه الطبقة الحاكمة ألم تغتصب أمال و طموحات الشعب في المهد في 1962، و لازالت تتعامل معه اليوم بمنطق ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد!!!"[1]