إن ما يحدث في سوريا هذه الأيام أمر يبعث على القلق ، و يجعلنا نتخوف على سوريا دولة و شعبا ، خاصة و أن سوريا تعتبر دولة محورية في المنطقة، و نحن نخشى كل الخشية على أن يترتب على ما قد يلحقها من ضعف جراء الصراع الذي يعصف بها في هذه الآونة الأخيرة، أن يرتد سلبا على دول الجوار ، و أن تتضرر من ذلك القضية الفلسطينية على وجه الخصوص، فلا ينبغي أن ننسى أن سوريا تمثل حجر الزاوية فيما كان يعرف بدول الصمود و التصدي، و لا ينبغي أن ننسى أنها كانت دوما حاضنة للمقاومة الفلسطينية و اللبنانية، و من هنا يكون كل تغيير يطرأ على نظامها له تأثير ه المباشر على القضايا العربية في المنطقة، و هذا لا يعني أننا ندعو لبقاء النظام الحالي، فهو مع كل أسف قد حرق جميع أوراقه بفعل ما ارتكبه من مجازر جماعية في حق شعبه، و ما مارسه و لا يزال يمارسه من تنكيل في حق من خرجوا في مظاهرات سلمية يطالبون بالإصلاحات الضرورية لتصبح الحياة محتملة في سوريا بالنسبة لهم، فلجوؤه للحل الأمني و ترجيحه على الحل السياسي قد فاقم من الأزمة، و جعل بقاءه أمرا مستحيلا، لا في نظر شعبه وحده، بل حتى في نظر المجتمع الدولي، و ما العقوبات الأمريكية المسلطة مؤخرا على رأس النظام و بعضا من أعضاء عائلته و مقربيه، إلا دليلا على ذلك.
و إنما نريد أن ننبه الوطنيين في سوريا إلى ضرورة حسم الصراع الجاري فيها في أقرب الآجال، حتى يمكن لها أن تعود لتقلد مسؤولياتها في الصراع العربي الأجنبي في فلسطين و العراق و غيرها من المناطق العربية ، كما نريد أن نقول للنظام السوري بذاته ، أن لاحق له في استخدام القضية الفلسطينية أو أية قضية عربية أخرى لانتزاع حق بقائه في الحكم ، على رغم اتباعه أسلوبا بوليسيا في حكم شعبه ، و أن الطريق إلى ذلك يمر عبر الاعتراف للشعب بما يجب له من حقوق، و آدائها إليه كاملة غير منقوصة، و أن عليه أن ينزع عن استعمال القوة المفرطة - على حد التعبير الدبلوماسي- فإن ذلك لن يحل الأزمة القائمة ولن يزيد الأمور إلا تعقيدا، و أنه كلما عجل بفتح باب الحوار مع شعبه كان خيرا له ، و ساعد ذلك على تصور الحلول الممكنة للأزمة، و ساهم في العودة بالأمور إلى مجاريها الطبيعية في سوريا، أما إذا استمر شلال الدم متدفقا بمثل هذه الغزارة التي نشهدها، فإنه يدفع الشعب إلى الإصرار على موقفه، و سيجعله يرفع من سقف مطالبه، فلا يطالب بالتغيير فحسب، بل برحيل النظام، و ينبغي على النظام السوري أن يعي تمام الوعي، أن انعدام الثقة بينه و بين شعبه، يجعل شعبه يتخوف من ردود فعله كنظام فيما بعد إذا سكنت الفتنة ، و لذلك عليه أن يبادر أولا بإجراءات تعيد بناء الجسور التي انهارت بينه و بين شعبه ، كإطلاق الأسرى المحتجزين ، و تعويض عائلات القتلى ، و تشجيع النازحين على العودة إلى الديار ، فلعل ذلك يسهم في استعادة الثقة فيه، و يعود المتظاهرون إلى الاعتدال في مطالبهم ويصبح بقاء النظام بعد الإصلاحات السياسية أمر محتملا.