عندما سُئل أحد رؤساء وزارات اليابان عن السبب الرئيسي الذي جعل اليابان تنهض بهذه الطريقة الأسطورية من تحت رماد خراب الحروب الخانق لترتقي إلى ذرى التطوّر المُذهل على كافة الصعد ، قال :
(لقد أعطينا المعلّم سلطة القاضي و مرتب الوزير و هيبة الضابط).
و من المؤكّد أن السرّ الأكبر في انحطاط المجتمع العراقي على كافة الصعد أيضاً، هو سلب المعلم كل شروط هيبته و سلطته و استقلاله المادي ، و الإطاحة بهيبة العلم بالإستخفاف بالشروط العلمية و سهولة تزوير الشهادات و التخرّج و الحصول على الأطروحات و غيرها.
كان المعلمون العراقيون – سابقاً - قادرين على تخريج طلائع هائلة من العلماء و الأطباء و المهندسين و المفكرين و غيرهم من طلبة انحدروا من عائلات ريفية معظم أولياء أمورها لا يقرأون و لا يكتبون. أمّا اليوم فالعجز و الخراب في الحقل التعليمي الذي يزوّد المجتمع بكل قادته مستقبلاً هو السائد و يدعو للتشاؤم.
لهذه القضية الكبرى و الخطيرة يتصدّى الأستاذ المربّي "رامز باجلان" في كتابه الصادر عن دار تموز للطباعة و النشر و عنوانه "مدارسنا بلا ضفاف" (147 صفحة) .
يقدّم باجلان لقرّائه خبرة ثلاثين عاماً في حقل التربية و التعليم بأسلوب تشوبه السخرية المريرة السوداء التي ينضح بها قلمه منذ صفحة الإهداء :
(إلى كل المتلذّذين في استغراقتهم العنكبوتية لأن يستيقظوا من رقدتهم الكهفية
إلى كل الذين ينظرون إلى المعلم نظرة الدون و الخفض و هم يتحدثون من بطونهم و ما أوتوا من العلم شروى نقير )
و في المقدّمة يشير الكاتب بحق إلى أن المصدر الوحيد لكل منجزات الثورة العلمية الساحقة التي يشهدها العالم المتطوّر في عصرنا الراهن، هي المدارس، و ليس غير المدارس من مصدر، من الروضة و الابتدائية إلى أعلى الكليات و المعاهد و تلك لأن المدرسة رافد طبيعي للتطور العلمي (ص 9) .
(و التطور الهائل أساسه المدارس بما فيها من مناهج بكل مراحلها و أنواعها و أشكالها المتعددة ، فإذا كان الأمر كذلك، فلابد أن نهتم بالمدارس اهتماما يليق بها لنقتلع جادين كل الجد جذور التخلف و نلعن العرقية و الطائفية)
و يختم المؤلف مقدمته بالدعوة للإهتمام بالعامل الأكبر في هذا التطور و النهوض و هو :
(الكادر التربوي ، ذلك الرجل الذي نلقي على كاهله أكثرية المسؤولية العلمية و الأخلاقية في العلمية التربوية، و نجعل منه الحجر الأساس في هذه العملية، و أن نجعل لهذا الكادر التربوي منزلة و مكانة اجتماعية و علمية و اقتصادية تليق بما يقوم به من عمل جبّار و الذي يُعد من أخطر الأعمال في المجتمع و في العالم بأسره) (ص 10) .
ثم يبدأ المؤلف المربّي بتناول موضوعات كتابه وفق المؤسسات التعليمية بدءاً من رياض الأطفال (أبنيتها و مناهجها و هيئات تعليمها ، اختيار مديرة الروضة و واجباتها، دور المعلمة و مراقبة الروضة)، و المدارس الإبتدائية (أبنيتها و مناهجها، مهام المعلم الإبتدائي، المنهج، مهام المدير)، و المدارس المتوسطة و الإعدادية (نوعية البناء و المدرسون و ترفيع المدرس .. و غيرها )، و الإعداديات المهنية الصناعية و الزراعية. ثم موضوعات متفرّقة لكن حساسة مثل اللغة العربية و أسئلة امتحاناتها، دروس الإنشاء و الرسم، الكلّيات و القبول فيها و تخرّج الكوادر التربوية منها .. نظام الجامعة في العراق و غيرها الكثير الكثير من المعضلات المزمنة التي دوّخت الناس و الطلبة في مجتمعنا على حدّ سواء.
و أعتقد أن من المميزات الكبرى لموضوعات المؤلف في كتابه هذا، و التي أرى أن على مسؤولي شؤون التربية و التعليم في بلادنا الإطلاع عليها و قراءتها بدقة و العمل على استثمارها و اللقاء بالمؤلف و مناقشتها معه إذا كان مسؤولو العملية التربوية لديهم وقت لتطوير العملية التربوية، هي المقترحات التي طرحها المؤلف لتطوير أغلب جوانب العملية التربوية و التعليمية و مؤسساتها، و هي مقترحات كفيلة بالقضاء على الكثير من السبيات المزمنة و حل الإشكاليات المتطاولة و المضنية في مسيرة التعليم و النهوض بها. و ميزة هذه المقترحات المضافة هي أنها بسيطة و عمليّة و لا يتطلب تنفيذها الكثير من اللف النظري و تشكيل اللجان التي ستحتاج لجانا و لجانا و لجان ..
و إنني أدعو وزارة التربية إلى طرح ما جاء في هذا الكتاب من أفكار و نقد و مقترحات مهمة للنقاش بين أفراد الأسرة التعليمية و عقد الندوات حوله، فهو عصارة تجربة لا تعوّض.
و الأستاذ رامز باجلان خريج قسم اللغة العربية من جامعة بغداد عام 1963، صدر له كتابان :
من البعيد والقريب (مجموعة قصص) – دار تموز – دمشق – 2012 .
على نار هادئة – دار تموز – دمشق – 2013 .
الرابط: