تتوحد الأمم وتتكتل لتزداد قوة، و نتفرق نحن و نتمزق لنتصاغر و نتقزم و كأننا لم نقرأ قول الله تعالى:{ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَ مَا وَصَّيْنَابه إِبْرَاهِيمَ وَ مُوسَىٰ وَ عِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَ لَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ }الشورى /13
فالسياق القرآني لم يقل " أقيموا الدين و اقضوا على الباطل " بل قال: أقيموا الدين و لا تتفرقوا فيه .. فالأمر في الآية : ليس إقامة الدين في مواجهة إقامة الباطل. بل هو إقامة الدين في مواجهة التفريق في الدين .
و المقصود بالدين كما ذكر المفسرون هو " الدين الأساسي " الذي دعا إليه جميع الأنبياء. أما الشرائع فمختلفة من نبي لآخر. و هذا لاختلاف الظروف. قال تعالى : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجا } المائدة/ 48
و من هنا نقول أن الدين قسمان :
قسم مطلوب بحالة واحدة دوما، و هو ما يتعلق بالتعاليم الأساسية و قد عبر عنه القرآن بكلمة "سبيل "
أما القسم الثاني، فهو المنهاج أو القوانين الفرعية. و قد عبر عنه القرآن ب "سبل" و هو ما يحتمل أكثر من شكل .
و القسم الأول هو ما وضحه الله لنا و أمرنا باتباعه. و عبر عنه بـ (الدين القيم) (حبل الله )(سواء السبيل )(الصراط المستقيم ).. و غيرها
قال تعالى: { وَ أَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } الأنعام/52
و المقصود بالسبل في الآية، ليست طرق الكفر و الشرك، بل المقصود هو تلك السبل التي تخرج في الدين باسم الدين
(قال مجاهد : السبل : البدع ( القرطبي
فما يريده الله من عباده جاء واضحا في القرآن الكريم. أما كيفية التطبيق، فأبانته السنة النبوية الشريفة.
و من هنا نقول أنه لو قامت جماعة بإثارة نزاع فقهي حول جزئيات العبادة أو المسائل المختلف فيها. فهذا لا يعني أبدا (إقامة الدين ) بل هو بالتعبير القرآني (إتباع للسبل المتفرقة) )
و هذا أمر ممنوع تماما في الدين، لأنه يقضي على وحدة الأمة. و النتيجة: أن الأمة إذا تفرقت حرمت من نصر الله
و على سبيل المثال.. فإن قضايا وجود الله، و وحدانيته، و الدعوة إلى ربوبيته بين الناس مثل هذه الأمور لا يوجد فيها اختلاف في الأمة، لأنها ثابتة بالقرآن و السنة
و كمثال أيضا : الوضوء لأجل الصلاة مسألة متفق عليها، إلا أن الآراء المتعلقة بفرائض الوضوء كثيرة : فهو عند الحنفية أربعة، و عند المالكية سبعة، و عند الشافعية و الحنابلة ستة.
فلو جعلت هذه المسائل المختلف فيها موضوعا للمباحثة و النقاش لظهرت الاختلافات و الفرقة. و لقسمت الأمة الواحدة إلى عدة أمم. لهذا جعل مدار الدعوة قائما على الأمور المتفق عليها، و ترك الأمور المختلف فيها
و مما يسبب عندنا الفوضى و الاضطراب أيضا، أن أغلب المنتسبين إلى التدين، يجعلون من القضايا الفرعية أساسا لحركة الدعوة
و الخلاصة: أنه إذا ما أعجبك مذهب فقهي أو رأي، فلتتخذه مذهبا أو رأيا لك. لكن لا تقم على أساسه مسجدا. و إذا كنت تحترم طريقة ما، فليكن لك ما تشاء. لكن لا تجعلها ميزانا إسلاميا تقيس به الآخرين.
و خير ما نختم به مقولة الأمير سيد علي همداني (1314-1384م)الذي عرف في كشمير باسم " أمير كبير " و الذي كان مثالا يحتذى للمنهج الإسلامي الذي اتبع فيه أسلوب الهداية المحببة و تجنب سياسة (السيف و الرمح) و كان أعظم درس قدمه في حياته هو قوله : { إن أردتم بقاء الإسلام حيا، فادفنوا إلى الأبد فكرة التصارع و التناحر. و تجنبوا تماما إثارة الصراعات المذهبية و السياسية. و بعدها ستنالون نصر الله، و توفيقه. و سيتحقق للإسلام العزة و الرفعة. و يعز الله المسلمين بإسلامهم }
من كتاب :" واقعنا ومستقبلنا في ضوء الإسلام
لوحيد الدين خان / ترجمة : د سمير عبد الحميد إبراهيم
أوجزته لكم بتصرف