في فلسطين، ليس هناك من يلعب دور البطولة المطلقة، فكلهم أبطال. كما أنه ليس هناك من يلعب دورا ثانويا، فكلهم أبطال. المرأة في بيتها تشجع زوجها، و تزرع حب الجهاد في نفس أطفالها. الأطفال يرمون الحجارة، و الشيوخ يقودون الكتائب. الشباب بين مراقب و مهاجم، بين صانع الأسلحة و قاذفها. هذا هو حال فلسطين، جرح الأمة.
يأخذنا نجيب الكيلاني إلى عام 1948، تحديدا في مدينة حيفا. شعر الشيخ إسماعيل ريحان و كل من له عقل أن هذا اليوم ليس كمثله من الأيام. صوت طلقات المدافع و وقع الأقدام المتعطشة للدم كان واضحا. و منذ تلك اللحظة تغيرت الأوضاع ... للأبد ... ليس في فلسطين وحدها، بل في معظم الدول العربية. فالشيخ إسماعيل الذي رحل هو عائلته عن حيفا بدأ يعمل في نقل الأسلحة، و ابنته ضحى تعمل ممرضة في المستشفى و تعالج المرضى في المخيمات. أبو نجلاء الذي قُتل أفراد عائلته أمام عينيه وجب أن يسترد عافيته سريعا، أما ابنته نجلاء التي اختطفها الإسرئيليون استطاعت الهرب و لم تتنازل عن الانضمام لكتيبة من الكتائب؛ لتوقع باليهود أكبر الخسائر. في نفس الكتيبة كان الشيخ القصير ذو اللحية البيضاء يقود مجموعة من الشباب: خميس الذي ترك حيفا هو الآخر، و صالح الذي شعر بواجبه و جاء من مصر؛ ليشارك في المعركة، و نادر الذي كان من أغنى الأغنياء. و كما كان هناك أشخاصا مستعدين للتضحية بأغلى ما يملكون، كان هناك من يخون وطنه ليأمن على حياته و أمواله.
لم يكن هناك وقت للحزن أو التفكير في الخسائر. لم يكن هناك وقت إلا للتضحية ... التضحية حتى بالحب. كانت مبادئهم هي التي تحركهم، و لا شيء آخر. كان أهل فلسطين كلهم يبذلون ما في وسعهم، و لم يبالوا بالنتائج. نعم، فنحن مكلفين بالذل و الاجتهاد و السعي في الطلب ... هذا ما سنحاسب عليه، لكن النتائج و النصر سيأتي في وقته. لا يهم من يراه: هم، أبناؤهم، أحفادهم ... ما يهم هو أنهم متأكدون من النصر. سيأتي النصر في يوم من الأيام، و لعله قريب!
استطاع الدكتور نجيب الكيلاني تصوير المشهد كاملا، ليس في فلسطين وحدها، بل في كل الدول العربية. كيف أثر هذا الحدث على فلسطين و الدول العربية؟ كيف أثر على أهالي فلسطين و أهالي الدول العربية؟ هل ساعدنا فلسطين حقا أم ساهمنا في ازدياد الأوضاع سوءً؟ كنا على وشك الأنتصار، حتى أننا وصلنا إلى تل أبيب، لكن ظهرت الهدنة، و الأدهى من ذلك أن تقبل بها بعض الدول العربية!
في هذه الرواية ستعيش مع أهالي فلسطين، ستفرح لفرحهم، و تحزن لمصابهم. ستغمرك السعادة عندما يحرزون انتصارا و لو كان صغيرا، و تغمرك الدموع عندما يخسرون فردا واحدا منهم.
أستطيع أن أقول بكل ثقة أن د/ نجيب الكيلاني أقنعني أن النصر ليس سهلا لكنه أيضا ليس مستحيلا، إنما نحتاج فقط أن نفيق من الغيبوبة التي نسينا أنفسنا فيها، يقول الكاتب على لسان أحد الشخصيات: "أنا لا أعتب على اليهود، و لكن أعتب على جماهيرنا التي استعذبت النوم، و استراحت للكسل، و خدعها الكبرياء!! ماذا كنا نفعل عندما كانوا هم يعدون العدة، و يعبئون الشعور العالمي، و يبنون المستعمرات و الحصون؟" و أن أولى خطوات النصر أن نصنع سلاحنا بأيدينا، يقول الكاتب على لسان القائد القصير: "أليس مضحكا أن نحارب أعداءنا بسلاح نشتريه منهم ... أتدرون متى ننتصر؟ عندما نصنع سلاحنا بأيدينا، و لن نفعل ذلك إلا إذا كسرنا الأيدي التي تعوق انطلاقنا، هذه الأيدي هي الحكم الفاسد و الاستعمار الذي يحميه". و أن الحياة أغلى من الموت، يقول القائد: "ليس المهم أن نضحي و نموت دون خوف، بل الأهم من هذا كله أن نصنع شيئا ... أن نحافظ على حياتنا من أجل المعركة التي قد تطول". و أن الجهاد في سبيل الله لم يعد درسا نتعلمه أو قصة نقرؤها، بل واقعا عمليا يحتاج إلى الإيمان بالله و الصبر و التضحية، يقول والد صابر عند رحيل ابنه: "إنني كأب أقول لك ابق بجواري؛ حتى أسعد بك و بنجاحك في الحياة، لكني كإنسان مؤمن حر ... أقول لك اذهب لتدفع ضريبة الدم، لتححق لوطنك الكثير، و لعقيدتك السمحاء النصر، و الحرية ... و تؤكد معاني الخير و العدل و الحب".
http://saaid.net/mktarat/flasteen/338.htm