يقول الله تعالى: "و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون."الآية 169 سورة آل عمران
و يقول سبحانه الحق"و الشهداء عند ربهم لهم أجرهم و نورهم"الآية 19 من سورة الحديد.
إن شهيد الوطن هو الحي الحاضر الذي تشهده الملائكة و تحضر موتة و هو الذي كرمه الله هو ذلك الشخص الذي ضحى بنفسه في سبيل وطنه و شعبه ليحقق المبادئ الإنسانية و الاستقلال و ينجلي الظلم و القهر و الفساد و يتحقق العدل و الإنصاف في مجتمعات تأبى أن تكون تابعة مستعمرة لذلك فإن الشعوب كلها تولي قداسة للشهداء و كما يقال:"مجد الأمم لا يبنى إلا على رؤوس الشهداء ".
فمن ارتبط نبضه بنبض الأرض و رائحة ترابها و تمسك بجذور الوطن و التاريخ و دافع بإخلاص و لينال شرف الشهادة هو المنتصر و هو العبقري لأنه اختار الخلود في السماء و أن لا يمر مرور الكرام فنقش اسمه على الجدران و نحت وجهه على الرخام و الأعظم أن يكون نقشا في الذاكرة حيث ينطبق عليه قول الشيرازي"كن كشجرة الصندل تعطر الفأس التي تقطعها".
هذا هو شهيد الوطن و من يذود عن حرمته ذاك الذي يقاتل صوتا و صورة من أجل الأرض و العرض و من أجل أن ينقذ الأجيال و الأمم من الاستعمار، فالشهيد قصة تروى و ملحمة تجسد كل لحظة في فلسطين و سوريا و العراق و اليمن و في كل أصقاع الدنيا حيث تغتصب الأرض و تزول الاعتبارات الإنسانية حيث تلغى المسافات و الأزمنة و يدفن البشر ملطخاً بالدماء. لذلك وجب علينا أن نعيد حساباتنا فيما نوليه من اهتمام ناقص للشهداء و عائلاتهم الذين صبروا لحكم الله و قدموا لنا فلذات أكبادهم فخوفي أن يأتي يوم يصبح الموت و الاستشهاد في سبيل الوطن حدثا يوميا بديهيا ليس جديراً بالتأريخ و الذكر كملحمة بطولية، و كما نشاهد فإن الدول تحيي ذكرى شهدائها باحتفالات سنوية و تقوم ببعض الإنجازات التي تعتبر عرفانا من الدولة و الشعب للشهيد كأن تسمي أحد الشوارع باسمه...
فالشهداء جعلونا خلفاء من بعدهم لأجل أن نحقق لهم ما يريدون لوطنهم و أمتهم وهذا ما لامسته عند سفري إلى إيران من مكانة عظيمة للشهداء و أنت تتجول في شوارع طهران تظهر لك عديد الصور الجدارية الرائعة المكرسة لتكريم الشهداء و نجد القسم الأكبر منها مخصصا للذين سقطوا شهداء في الحرب ضد العراق.
و في زيارة لي للمقر القديم للحزب الجمهوري الإسلامي بطهران أدركت جيدا معنى أن تخلد ذكرى الشهيد في أرواح الإيرانيين و ذاكرتهم فهذا المقر شهد أبشع عملية ارهابية سقط ضحيتها اثنان و سبعون شهيدا من أبرز قادة الحزب و الثورة الإسلامية منهم الشهيد أية الله محمد بهشتي و هو ثاني أقوى شخصية بعد الإمام الخميني و تخليدا لذكرى هذا الحادث الأليم أقيم متحف بنفس المكان فيه لوحات و منحوتات و بعض الممتلكات الشخصية للشهداء و أصبح هذا المكان يجمع بين تخليد ذكرى الشهداء و بين العمل الثقافي و التربية الدينية و الترفيه حيث يستقطب الشباب و كل الفئات العمرية و حتى الأسرة و هذا فيه ذكاء خارق في الربط بين الماضي و الحاضر في تخليد ذكرى الشهداء كما يوجد في نفس المكان مركز للإرشاد التربوي الأسري و محاضرات تحتوي الشباب من الفكر الديني المتطرف و قاعة سينما تعرض أفلاما هادفة لها تأثير إيجابي على سلوك و فكر الشباب و الأطفال،في هذه الزيارة أدركت أن إيران من خلال موروث الإمام الخميني و الثورة الإسلامية نجحت في بناء عقلية إيرانية تجعل من كل فرد ثروة وطنية حيث يصبح الشهيد كنزا مكنونا في ذاكرة كل الأمة و كل الأجيال.