قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

Saturday, 28 April 2018 10:41

آفة اسمُها الرقية

Written by  الأستاذ عبد العزيز كحيل
Rate this item
(0 votes)
عندما يُعلن بعض الجَهَلة الذين ركبهم الغرور أنفَسهم معالجين لجميع الأمراض حتى المستعصية منها فإن هناك خطرا داهما، و عندما يزداد عددهم يوما بعد يوم مع مباركة جزء من الإعلام الذي يلمّعهم فإن الخطر يتفاقم، و يصبح ذلك آفة كبرى عندما يلبس رداء الدين و يتذرع بالقرآن و السنة، هنا لا بدّ من دقّ ناقوس الخطر لأن الانعكاسات السلبية لهذه الآفة تصيب الإسلام و المؤمنين و المجتمع في أبعاده الدينية و الثقافية.
بمثل هذه الممارسات يتمّ تحريف دين الله تعالى ليصبح أداة لترويج الجهالة و الغباوة و الخرافة التي جاء لمحاربتها، و علينا أن نتساءل هل بلغ الطب هذا الدرك من العجز حتى يكون البديل عنه أدعياء موسوَسون يتحركون بقوة باسم الرقية ؟
يجب أن نتفق ابتداء على مسألة ثابتة هي أن هناك بالفعل حالات مَرَضية تناسبها الرقية الشرعية مثل القلق و الانهيارات المتعلقة بإكراهات الحياة العائلية المتردية و الظروف الاقتصادية و الاجتماعية الصعبة، بالإضافة إلى الفراغ الروحي و ضعف الإيمان، فهما يساهمان في الإصابة بأمراض نفسية، و في جميع هذه الحالات يتمثل العلاج أساسا في المقاربة البسيكولوجية، غير أن البسيكولوجيا بوضعها الراهن لا تساعد كثيرا على العلاج لأن منبتها في الغرب تلوّث بالرؤية المادية إلى درجة أنه يتناول الإنسان كأنه شئ أو حيوان و يلخّص مشكلاته في الغرائز متجاهلا تماما الجانب الروحي فيه و العامل الديني في حياته، هنا يتدخل القرآن الكريم كعنصر فاعل في التعامل مع المؤمن الذي يعاني من أنواع الاصابات النفسية، و تأثير آيات الذكر الحكيم على المؤمن أمر مؤكد مجرّب لكن بشرط الارتقاء إلى مستواها حتى لا يصبح القرآن أداء لنشر الغباء كما هو الحال في هذا الزمان  مع الأسف، حيث تمّ تحريف مقاصد الكتاب الكريم فانتهى الأمر إلى ممارسات أشبه بالكابوس المرعب، و ذلك باسم الرقية عندما أصبحت حرفة عند قوم تغلب عليهم الأمية نزلوا بالقرآن إلى حضيضهم بدل أن يرتقوا إلى شموخه، فجعلوا منه أداة لمحاربة الجن و العفاريت و السحر و العين بزعمهم، في حين هو مصدر طمأنينة نفسية  و هدوء و سكينة، و انتهى المطاف بمجتمعاتنا و في القرن الواحد و العشرين إلى الاعتقاد بأن آفات المسّ الشيطاني و أعمال السحر و العين انتشرت في طول البلاد و عرضها – أي البلاد الاسلامية وحدها !!! - فلم يتجُ منها مسلم، بل يبدو أن أحياء و مدنا بأكملها قد تسلط عليها هذا العفريت أو ذاك و عمل فيها السحرة عملهم فطال الصغار و الكبار و النساء و الرجال بدءا بأهل الدين و الصلاة و الصيام و القيام !!! و تتناقل وسائل إعلام موجهة أو متواطئة هذه الأخبار و تضفي عليها المصداقية و تحاور الرقاة الذين يؤكدون أنهم قهروا عتاة الشياطين و أدخلوا عددا منهم الاسلام !!! يقولون هذا بكلّ جرأة، و أنا واثق من أن أكثرهم لم يستطع التحكم في زوجته و لا أدخل أبناءه الاسلام ... إذًا مات الطب، و تحيا الرقية !!!
 و هكذا هبّت ريح من الجنون الجماعي أصابت أمة يُفترض أن لديها عقيدة دينية راسخة و أنها لا تتساهل في شأن الإيمان، و إذا بها تُسلم قَوادها للمشعوذين و تصدق خرافاتهم متجاهلة محكمات القرآن و السنة و العلم و العقل و الواقع، و قد استغلّ غفلتَها التجار من كلّ صوب فأنشؤوا قنوات تبث على مدار الساعة، خطابُها محور واحد هو أعراض السحر و المس و العين و التوسع في ذلك حتى أصبح المتابعون جميعا يجدون في أنفسهم تلك الأعراض و يُقبلون بالتالي على الرقية، فضاع العقل و الدين و زادت حالة التخلف الذهني و الحضاري في ظل هستيريا غريبة لم تقتصر على عامة الناس بل أصابت غير قليل من المثقفين و المثقفات بمساندة شبه رسمية دفعت المشعوذين إلى فتح عيادات متخصصة في الرقية : فمن الوحش إذًا ؟ الضحية أم الجلاد ؟ المريض الذي يرضى بهذا أم دعيّ الرقية ؟ يحدث هذا باسم الاسلام الذي ربّانا على العقلية العلمية و البصيرة و حصّننا من الخرافة و الدجل.
إن الرقية الشرعية شيء آخر غير هذه الممارسات المؤسفة، إنها علاج روحي لضعف الانسان حين تخور قواه و تنهار أمام المآسي و المشكلات، و الراقي إذًا ليس ذلك الذي يطارد مردة الجن و يُخرجها من الأجسام المصابة كما يزعمون إنما هو مسلم يفهم رسالة القرآن الكريم و لديه إحاطة بعلم النفس و العلاقات الانسانية، يحسن الإصغاء إلى المريض و يتفهم حاله  و يظهر له التعاطف و يسرّي عنه  و يرفع معنوياته و يأخذ بيده ليتجاوز هواجسه و مخاوفه و يبرأ من شكوكه، أي يخفّف عنه و لا يزيد من مرضه كما يفعل الأدعياء الجهلة، يتلو عليه ما تيسّر من آيات السكينة و الشفاء و يقرأ عليه أدعية مأثورة و يقدم له نصائح أخوية و يمازحه لإزالة همّه، هذا ما يفعله الراقي العارف التقي، بدل إثقال كاهل المريض بحكايات عن المسّ و السحر، تلك الحكايات المرعبة التي تزيد المريض مرضا و هواجس و لا تعالجه في قليل و لا كثير بل هي بذاتها مصدر للانهيارات و المتاعب الصحية.
ما أبعد هذه الرقية الشرعية عن ممارسات مرعبة مثل ضرب المريض و جلده و تعذيبه " لإخراج الجنّ من جسمه " !!! و هي ممارسات يقبلها المرضى و أهلُهم بصدر رحب !!! و قد أُتيح لي أن أسمع من الغرائب في هذا الشأن ما يتجاوز الفهم، فعلى سبيل المثال جاءني منذ سنوات أهل فتاة مقيمة في باريس و أخبروني أن " الرقاة " شخصوا – في باريس !!!- مسّا لديها، و وصفوها لي بأنها شابة تقية ترتدي الحجاب الشرعي و تحافظ على صلاتها و لا تترك أورادها، فما كان مني إلا أني قلت لهم في ابتسامة عريضة : " أريد أن أفهم كيف ترك هذا المارد صوفي مارصو ( الممثلة الفرنسية المستهترة ) و ضرب هذه الفتاة المسلمة التقية ؟ "، أي عقل يقبل هذا ؟
و أنا أكتب هذا فإني لا أنكر أي حقيقة نطق بها القرآن أو السنة النبوية من وجود الجن في الكون و أفعال السحر و إصابات العين لكني أثور ضدّ التحريف و المبالغة و سوء استعمال هذه الحقائق الذي لا علاقة له بالوحي و إنما أصبح ظاهرة مجتمعية غاية في الخطورة تنعكس سلبياتها على المسلمين و على الاسلام ذاته.
إن الأمة تنتظر من خريجي الجامعات الاسلامية و حاملي شهاداتها الانخراط القوي في الاجتهاد و التجديد لرفع مستوانا و خدمة ديننا، لكننا نلاحظ مع كل أسف أن كثيرا منهم انخرطوا في الرقية و أعطوها حجما ضخما و صاروا يكتبون فيها و ينظّرون و يطاردون الأرواح الشريرة المزعومة، و تركوا ساحة تخصصهم خاوية  فتمدّد ظلّ الغباء و الاستحمار بمباركة من " رجال الدين "، فرحم الله زمانا كانت الأمة الاسلامية تحمل فيه راية العلم و الإشعاع الحضاري فامتدت أنوار المعرفة و الهداية في أرض الله، و مع تخلفنا و بفعل أشخاص حرّفوا الرسالة عن مسارها أصبحنا – بالدين !!! -  أضحوكة القاصي و الداني، نترك الواقع للتعامل مع الغيب، بعيدا عن هدي القرآن و السنة، حتى أصبح الفاشلون يزعمون أنهم يتحكمون في الجنّ و هم أعجز من أن يتحكموا في أهليهم.
و تستمرّ الملهاة، و لديها جمهور و معجبون كُثْر لعلّ أغلبهم من " الطبقة الراقية ".
Read 1515 times Last modified on Monday, 07 May 2018 09:50

Add comment


Security code
Refresh

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab