الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين محمد وعلى آله وصحبه وسلم، و يعد:

يقول الشيخ إبراهيم بن عامر الرحيلي أستاذ العقيدة في كلية الشريعة بالمدينة المنوّرة، في شرحه لكتاب التوحيد:” قال تعالى:{ ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق} البقرة 102أي السحر، السحر في اللغة هو ما خفي و لطف سببه، أمّا في الشرع: هو عزائم و رقى، وعقد يؤثّر في العقول و الأبدان، وجاء في النصوص أنه كفر، وهو مناقض للتوحيد، لأن الساحر لا يتعلم السحر حتى يكفر، بل هو من أعظم أنواع الكفر، يضعون المصاحف في دورات المياه، ممّا يؤسف له أنّ السحر انتشر في الأمة، وله دعاته،و أصبح السحرة يقصدون من أماكن بعيدة، هذا ممّا يدل على خطورة الأمر، وإن لم يؤخذ  على أيديهم توشك أن تصيب الأمة عقوبة من الله تعالى، السحرة محاربون لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، كم آذوا المسلمين، وكم تسببوا في قتل الأنفس، و التفريق بين الزوجين، وتعطيل المصالح، كل هذا من أجل الحصول على المال، بئست المهنة تعاطي السحر، هؤلاء السحرة أمر خطير، على ولاة الأمور معاقبتهم، وقتلهم كما جاء في النصوص.

{لمن اشتراه} نزلت في اليهود، قال بن عباس الخلاق: النصيب، فدلّ على كفره، لأن الكافر هو الذي ليس له في الآخرة من نصيب.

هذه الحياة مهما طالت فمآل الإنسان إلى الموت، و الانتقال إلى دار لا انقضاء لها، كم سيعيش؟ إمّا ينتقل إلى دار النعيم، أو دار العذاب، فما نفع الساحر سحره في الدنيا،يعتبر بنار الدنيا، هل يستطيع أن يبقى فيها لدقائق أو ساعات؟ لا يستطيع، مع أن نار الآخرة فضلت على نار الدنيا بسبعين ضعفا، من الذي يطيق هذا؟ ومن الذي يعرّض نفسه لهذا العذاب؟

المؤمن في الدنيا يتقلب في نعيم العبادة، ثمّ يصير إلى نعيم الجنة بإذن الله تعالى، وإنّه لا يقدم على معصية، أو كفر، أو شرك إلاّ من به سفه، و ضعف في العقل، يصبر على طاعة الله و الأقدار المؤلمة، ومآله السعادة الأبدية، خلود في الجنّة، والترقّي في درجاتها، لا يدرك الناس ما في الجنّة من النعيم حتى يدخلوها، ما الذي يحمل المسلم على أن يخسر هذه الدار العظيمة؟ وهؤلاء السحرة آثروا الحياة الدنيا على الآخرة، واشتروا بأيات الله ثمنا قليلا. هذه الدنيا لاشيء، وفي مقابل هذا المؤمن في حياة طيّبة في هذه الدار، تأدية للواجبات، استقامة على طاعة الله، وقضاء الأعمار في طاعة الله، هو في نعيم و إلى نعيم، من نعيم العبادة ولذتها إلى نعيم الجنة، ولذّة النظر إلى وجه الله تعالى، كما قال عمر بن عبد العزيز:” يا أيّها الناس إن كنّا مصدّقين فإنّا لحمقى، وإن كنّا مكذبين فإنّا لهلكى” فيتعظ الناس، ويبكي الناس، ثمّ يتوب الكثير منهم بسبب هذه الكلمة، إذا كنّا مصدقين بالوعد و الوعيد، و الجنّة و النار وهذه أعمالنا فهذا حمق، يسعى الإنسان في هلاك نفسه، وإن كنّ مكذبين فهذا هلاك بيّن، كفر بيّن، الإنسان بين كفر وهلاك، إلاّ من اصطفاه الله وبصرّه و أرشده، وقضى هذه الأعمار في طاعة الله، يصبر على شهوات النفوس، على أقدار الله، يصبر على المحرّمات، ومآله السعادة.

هذه الآية دليل على أنّ الساحر كافر، السحر مرتبة فوق الكفر، و الكافر لا يقبل منه صرفا ولا عدلا، أمّا من لقي الله بالتوحيد، يدخله الله الجنّة إمّ ابتداءا، وإمّا بعد أن يطهّر من ذنوبه بعدل الله.” هذا و الله أعلم، وصلي الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.