قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

Sunday, 11 August 2024 08:02

في كل استقامة إقامة

Written by  الأستاذ قاسم الحروب
Rate this item
(0 votes)

إذا ما سعينا في إلقاء نظرة خاطفة على حال شباب الأمة العربية و الإسلامية، ترى أن كثيرًا منهم يسيرون في طرقاتها تائهين عن الهدف الكبير أو عن الخطوات اللازمة لتحقيق هذا الهدف. بعضهم يسعى في منفعة يحصّلها، و آخر يطلب المال في كل شيء، و غيره يسعى لرضى الله تاركاً كل الخلائق خلف ظهره، و آخر يسير كتيّار النهر الموّاج في حماسه، و آخر يعيش كمصباح محترق أو كالرماد في مهب الرياح، ينثر الكثير المُبَعْثر في الفراغ فلا منهج له و لا منهجية، و قليلٌ أولئك الذين يبصرون الله في حياتهم، أولئك المخلصون له (عِبَادُه) الذين يعبدون الله على بصيرة، و إقامة و استقامة، فمن أين لهم تلك البصيرة ؟ و كيف نبنيها ؟

كيف نفهم قولنا: في كل استقامةٍ إقامة؟

في حديثٍ للنبي الأكرم محمد ﷺ الذي يرويه الصحابي الجليل سفيان بن عبدالله الثقفي -رضي الله عنه- يقول: (قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، قُلْ لي في الإسْلامِ قَوْلًا لا أسْأَلُ عنْه أحَدًا بَعْدَكَ، “و في حَديثِ أبِي أُسامَةَ غَيْرَكَ”، قالَ: قُلْ: آمَنْتُ باللَّهِ، ثم اسْتَقِمْ)[1]، إن الأمر الجليَّ في هذا الحديث هو ورود فعل الأمر (استقم) بعد مفهوم الإيمان بالله سبحانه، و بالتالي، فإن السنة المحمدية جعلت شرط الاستقامة و انضباط النفس، و ثبات العقل و القلب على منهاج سليم، يبدأ بعقيدة الإيمان و التوحيد، فقد كان في استقامة النبي و صحابته الكرام؛ إقامةٌ أولاً لسلامة القلب بالإيمان بالله، و لهذا السبب كان ديننا الحنيف مبنياً أولاً على أركان الإيمان الستة، ثم أتبعها بأركان الإسلام التطبيقية الخمسة، حتى إذا ألمَّ المسلم بأركان الإيمان و الإسلام، و كانت له منهاج حياةٍ يسير عليه و يستقيم فيه، أصبح مسلماً ذا بصيرةٍ في حياته، و هنا يأتي مفهوم الإحسان الذي جاء في حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حين جاء جبريل إلى نبي الله ﷺ على هيئة رجل شديد بياض الثياب و سواد الشعر و سأل النبي ﷺ عِدّةَ أسئلة و منها أن جبريلاً عليه السلام قال: (فأخبرني عن الإحسان، فقال رسول الله: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)[2].

يؤكد هذا لنا أنه كلما ازدادت بصيرة الإنسان بقاعدته و أساسه المنهجي العقدي التطبيقي القائم على أركان الإيمان و الإسلام، و استقام عليها روحياً و تطبيقياً، ارتقى حينها إلى رُتْبَةِ الإحسان.

من جانب آخر أيضاً، و للنظر من زاوية أخرى، فإننا نفهم مما سبق؛ أن أي تغيير إيجابي حادِثٍ أو مُحْدَثٍ في المجتمع، يجب أن يبدأ “بفكرة” أو كما قد نسميها “خصلة رأي”، و حين نقوم بزرعها و ترسيخها في أذهان البشر تتحول إلى عقيدة، و إن آمن الناس بتلك العقيدة أصبحت طبعاً لهم، و منهاجاً مصبوغاً في جذور المجتمع بوصفه منهاج حياة، كما هي خُصْلَةُ الشَّعْرِ في الرأس، و لكن الشَّعْرَ نوعان: شَعْرٌ شبابيٌ يافعٌ مُدعَّمٌ بالصحة و العافية القادمة من سلامةِ الجسدِ و حداثةِ العُمْر، و شَعْرٌ هزيل متساقط، يطير مع أي عارضٍ يأتيه كحكةٍ خفيفة للرأس أو حتى باللمس، مما يدل على الذبولِ والشيخوخةِ و الزعزعةِ في الصحة العامة.

مِنْ هذا التشبيه نقول: إن سلامة المنهاج -منهاج الحياة أو كما أسميناه الطبع- تكون على أساسِ سلامةِ الفكرة و خصلة الرأي التي تدعو إليها، و كمثالٍ آخر على كلامنا و لربط نقطتنا الأولى بالثانية، يقول سبحانه و تعالى في كتابه العزيز: ﴿فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَ اسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَ لَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ۖ وَ قُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ ۖ وَ أُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ رَبُّنَا وَ رَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَ لَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [الشورى: 15] وَ يَتَّضِحُ هنا كيف جاءت استقامة نبينا على أساس إقامته لشريعة الله و أمره بالعدل و عدم اتباع الأهواء فيما يبعد عن سواء السبيل.

الشيوعية و السوفييت.. نظرة عابرة

لنا في الاتحاد السوفييتي عِبْرَة بالغة، بتحليل بسيط، و دون الخوض مفصّل في تاريخه فقد آمن الشيوعيون بفكرة، هي خصلة رأي شيوعية ماركسية، أُخِذَت من مؤلفات كارل ماركس و فريدريك إنجلز و غيرهم ممن رسموا طريق نظرياتهم و تَشَبّع فلاديمير لينين بها.

هذه العقيدة رسخها الشيوعيون في عقول الناس بأساليب متعددة و لأسباب كثيرة كان أول مظاهرها الإطاحة بالحكم الملكي في روسيا و الحرب الأهلية الروسية (1917-1923) و تفاصيل الثورة البلشفية و إقامة كيان شيوعي اشتراكي محل النظام الإمبراطوري الأرستقراطي، فأصبحت الشيوعية لهذا الكيان عقيدة تسري في عقول هذه الشعوب، مسرى الدم في العروق و الإيمان في القلب و هذا حمل المنظومة بأكملها لتمكث ما يقرب من السبعين سنة، إلا أن المصير النهائي لها كان الانهيار، و التفات الناس لفكرة أخرى و نموذج آخر، فما هذا الإيمان الهزيل الذي لم يحمل المؤمن به على الانتفاض لتخليده و ترسيخه؟

هذا الإيمان نفسه هو المشكلة، بدءًا بمن آمن به، فهو قائم على بحر من التناقضات، فلم يوائم هذا النموذج الشيوعي مقتضيات حاضره، و لم يفهم موقعه من العالم و موقع العالم منه، و هذا تأكيدٌ على أن سلامة المنهاج تكون من سلامة الخصلة الفكرية المزروعة، فإن كانت حَسَنَةً كان المنهاج أو النموذج الحضاري و الفكري حَسَنَاً، و إن كانت معطوبةً كان المنهاج كذلك.

الفكرة في المجتمع المسلم

حريٌ بنا أن نذكر في هذا السياق -لنفهم كيف بُنِيَ المجتمع الإسلامي على هذا الأساس- كلاماً دقيقاً للمفكر الجزائري مالك بن نبي -رحمه الله تعالى- حيث يقول: “و الواقع أن القرآن قد وضع الضمير الإنساني بين حدين هما: الوعد و الوعيد، و معنى ذلك أنه قد وضعه في أنسب الظروف التي يتسنى له فيها أن يجيب على تَحَدٍّ روحي في أساسه. فالوعيد هو الحد الأدنى الذي لا يوجد دونه جهد مؤثر، و الوعد هو الحد الأعلى الذي يصبح الجهد من ورائه مستحيلاً، و ذلك حين تطغى قساوة التحدي على القوة الروحية التي منحها الإنسان. و بذلك نجد أن الضمير المسلم قد وُضِعَ بين حدي العمل المؤثر، و هما الحدان اللذان ينطبقان على مفهوم الآيتين الكريمتين: أ- (فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف: 99]، ب- (إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف:87]. و بين هذين الحدين تقف القوة الروحية متناسبة مع الجهد الفعال، الذي يبذله مجتمع يعمل طبقاً لأوامر رسالته، أعني طبقاً لغايته”[3].

و نُذَكّر بمسألة مهمة، حيث قد انتشر بين بَعْضٍ من شباب الإسلام اليوم للأسف فَهْمٌ مغلوط، مَفَادُه أنهم يرون دينهم قائمًا فقط على تنظير بحت بعيد عن التطبيق و الواقع، و لذلك رأينا منهم -للأسف الشديد- من ابتعد عن الإسلام وَ صَدّ عنه و في هذا نُذَكّرُ أنفسنا و نقول لإخوتنا الدعاة و من يَتَحَمَّلُ فقه الدعوة، بأن علينا الحظر من الدعوة لمثل هذه الصورة أو إظهارها في أيٍ من كلامنا و أفعالنا، مما قد يوصل الشباب لمثل هذا الفهم، و يوهمهم بهذه الصورة المعطوبة من وجوه كثيرة.

علينا أيضاً واجب النظر في الأساليب الدعوية المنهجية الصحيحة و التقديم السليم الحقيقي لصورة الإسلام، عند الدعوة لتجديد هذا الخطاب أو الإشارة للتحديات التي تواجهه على الصعيد التخصصي، أو على صعيد الشارع العام، و معرفة ما يدخل فيه و ما لا يدخل، و ما يؤثر عليه و ما لا يؤثر، من المستجدات الثقافية و الاجتماعية و الماجريات السياسية[4].

لنتذكر بأن رسالتنا و وجهتنا هي الإسلام، و الإسلام حياة و اتزان و الالتزامُ منهجه، بالدينِ قولاً و فعلاً، و أن تقدم الأمة و عودتها إلى رشدها و التحامها من جديد، يكون بعودتها لشريعة الله الناطقة بالحق، و في اقتراب الشباب من منهج ربهم، و ابتعادهم عن آمالٍ دنيوية بحتة و شهوانية غير مستقرة، تطير من اليد أسرع مما يخرج الزفير من الصدر.


[1] رواه مسلمٌ في صحيحه (رقم 38)، كتاب الإيمان، بَاب جَامِعِ أَوْصَافِ الإِسْلَامِ.

[2] و بمناسبة ذِكْرِ هذا الحديث النبوي الشريف الذي يرويه الإمام مسلم في صحيحه (رقم 8)، و هو من أحاديث الأربعين النووية التي جمعها الإمام النووي -رحمه الله تعالى-، فإنه يَعْرِضُ في تسلسل دقيق مدهش مفاهيم الإيمان و الإسلام و الإحسان و بعدها السؤال عن الساعة و عن أماراتها، و كأن جبريل -عليه السلام- تَدَرّجَ في الأسئلة بقصد وَضْعِ هذه الصورة الكاملة في إطار واضح و خط سليم مستقيم، و هذا الحديث معروف و مشهور عند علماء السُّنة و السلف الصالح و لهم أقوال كثيرة في شرحه و بيان فضله ليس هذا المجال لعرضها كلها، و لكن نكتفي بكلامٍ رائعٍ للإمام ابن دقيق العيد -رحمه الله تعالى- في شرحه للأربعين النووية، يقول: “فهو كالأمِّ للسنَّة، كما سُمِّيت الفاتحة أم القرآن؛ لِمَا تضمَّنته من جمعها معاني القرآن”، و يكفي بهذا دليلاً على مكانة الحديث في السنة.

[3] مالك بن نبي، ميلاد مجتمع، ترجمة: عبد الصبور شاهين، طُبْعَة دار الفكر، (ص: 24+25).

[4] يُنْصَح بمراجعة كتابٍ قَيّمٍ هو (الماجريات، د.إبراهيم السكران)، لمن أراد التعمق في فهم مصطلح (الماجريات) و(الماجريات السياسية) و تأثيرها بشكل خاص.

الرابط : https://al-sabeel.net/%d9%81%d9%8a-%d9%83%d9%84-%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%82%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%a5%d9%82%d8%a7%d9%85%d8%a9/

Read 212 times Last modified on Wednesday, 14 August 2024 08:37
More in this category: « السحر 1 السحر2 »

Add comment


Security code
Refresh

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab