في المنازل الثلاث التي أقمنا فيها في أندونيسيا، في كل منزل كانت تتقدمه حديقة، في المنزل الأول كان بالإضافة إلي إخضرار النبات و جودة التربة، بركة ماء تحفها أحجار كبيرة للتزيين و كان في الماء سمك و محابس تزهو في كل واحد منها أزهار و نباتات خضراء.
كنت امضي وقت معتبر في تأمل تلك البركة، اتدبر مليا في حركة السمك و أطعمه بالتقاسم مع إخواني...كنت أطيل النظر في النباتات التي تتوسط الماء و كيف أن النبات المتدلي بفروعه إلي سطح الماء يسعد بالأوكسيجن المستمر الذي ينهل منه و في نفس الوقت يرنو إلي حركات الأسماك من اللونين الأحمر و البرتقالي.
كنت أجلس علي حافة البركة لأقرأ القصص باللغتين العربية و الفرنسية و كنت أتخيل الكثير من المغامرات علي سطح تلك البركة و أبطالها. الأسماء و انواع من الطيور التي كانت تحط علي أطراف البركة من العصافير المألوفة إلي انواع كنت أجهلها.
كان خيالي ينشط بشكل مذهل و أنا في معزل عن البشر و في صحبة الماء و الإخضرار، كنت أتخيل شخصيات صغيرة في هيئة أطفال و هم يغامرون بقاربهم الصغير علي سطح تلك البركة أيام هبوب الرياح القوية أو عند هطول المطر الموسمي. كنت في كل مرة اتصور مواقف بطولية لهم و كنت أمزج بين مطالعاتي و بين ما كنت أعيشه علي حافة تلك البركة الجميلة. من هناك، من جزر أندونيسيا تعلمت التسبيح بعظمة الخالق أمام طبيعة غناء خلقها و كان مظهرها المبهر يذكرني دوما بيد الله و قدرته العلي القدير. و من هناك حملت إلي هنا الجزائر، ذلك الشغف بكل ما هو أخضر و ما هو نضر و ما هو غاية في الجمال و الإتقان طبقا للآية 82 من سورة يس بسم الله الرحمن الرحيم "كن فيكون".