الهجرة المكثفة الغير الشرعية لأبناء الساحل لها دوافع، إن احسنا إيجاد حلول ناجعة لها سنضمن بقاء سكانها في مناطقهم. من يرغب في ترك بلده أرضه و أهله ليغامر بنفسه في رحلة غير مضمونة العواقب ؟
لا أحد طبعا.
نحن إلي حد الساعة لم نفعل القليل الذي يتوجب علينا فعله لإبقاء هؤلاء المهاجرين الغير الشرعيين في مواطنهم الأصلية، كل ما نقوم به الطرد و التذمر، السجن أو مواجهتهم بعنف و كل هذه المواقف المنفعلة ليست حلول و لا حتي مسكنات. لا يلجأ الشخص إلي الهجرة الغير الشرعية إلا في حالة ما إنعدمت أسباب العيش الكريم في بلده، كثيرون يجدون أنفسهم في دول الساحل بين سندان سوء التسيير للسلطات و بين مطرقة المليشيات المتطرفة. لغم الفساد السياسي مصير الملايين و إن لم نبادر بوضع خطة عمل تلزم جميع الأطراف و لا مجال للتنصل من الإتفاقات التي تفضي إليها، فالمشكلة تبقي مطروحة في كل وقت.
لنتصور حجم معاناة أناس كل همهم الحصول علي مستوي عيش مقبول، بمقتضي سياسات جائرة و تحالفات قبلية و إمتيازات سلطوية يجد الملايين أنفسهم نهب القتل و العنف و الإختطاف و التعسف، و الهروب ليس حلا ...كم من دولة إفريقية تستقبل مواطنين من دول مجاورة و لدينا مثال في كينيا التي تحوي علي معسكرات لللاجئين مرة أولي و ثانية و ثالثة و لا حل في الأفق و الآن لدينا لاجئين من السودان إلي التشاد و السودان الجنوبي.
كل أحد في حاجة إلي إستقرار، و إلي حد الساعة منظمة الوحدة الإفريقية لم تنجح في إحلال السلام و الإستقرار في ربوع الساحل المتضرر الأكبر من فساد سياسي و إرهاب المتطرفين. و دول مثل الجزائر يمثل لها الساحل عمقها الإستراتيجي، المجهود الديبلوماسي الذي بذلته الجزائر في إتفاق السلام و المصالحة في المالي عام 2015 مشكورة عليه غير أننا في حاجة إلي مضاعفة الجهد، و إلي تعميم مباديء الحوار و المصالحة و تعميق التشاور دون إلغاء أحد او الإنحياز إلي جهة دون جهة. فمن دون سلم و من دون اخذ بعين الإعتبار مطالب الأطراف التي تبحث عن إنصاف من الصعب تحقيق توافق و الذهاب إلي افعال فاعلة و مؤثرة في الميدان.
الإتفاق المذكور في الأعلي لم يجسد بفاعلية في الواقع المعاش للماليين في شمال بلدهم و هنا نتساءل عن مدي جدية الأطراف الموقعة خاصة تلك التي تملك القرار السياسي ؟
إن لم تتعامل كل الأطراف المتفاوضة بمسؤولية و منتهي الأمانة، فهي تفتقد للمصداقية و المتضرر في المقام الأول هم هؤلاء المواطنين العاديين و اليأس المتعاظم يدفعهم دفع إلي الهجرة الغير الشرعية و هيهات يحصلوا علي مرادهم...فأي كان مصيرهم موت أو بلوغ الضفة الأخري من البحر المتوسط فهم غرباء...و الغربة أقسي و ما هي إلا مسكن و ليس حلا...