عجيبٌ أنت يا رمضان..! فالناس فيك على خير عظيم، فبينما كانوا لا يصومون.. فهُم الآن صيام. و بينما كانوا لا يقومون.. فهُم الآن قيام، و بينما كانوا لا يقرؤون القرآن إلا قليلا.. فإذا هم يسعون لختم القرآن! عجيب أنت يا رمضان..! فأنتَ شهرُ التوبة و الإنابة، شهر الخضوع و الخشوع. فمن لم يتب في رمضان فمتى سيتوب؟ و من لم يخشع قلبه و ترقّ نفسه في رمضان فمتى سيؤوب؟ " رغِمَ أنف امرئٍ أدرك رمضان و لم يُغفر له ".
و حتى لا نخسر رمضان.. و حتى لا يذهب سدى، فنحن معنيّون بمعرفة المقاصد التي يريدها رمضان منّا.. إن لم تعرفها فقد تكون خاسرا في رمضان، و إنْ لم تحققها فأنت محروم.
و لهذا حرصت على إيصال هذه الرسالة التربوية لنتأهب سويًا لاستقبال الشهر الفضيل و نكون ممن أدّى حقه على الوجه الذي يرضي ربنا سبحانه.
و إذا أردنا أن نستعد تربويا لشهر التغيير فعلينا أن ندرك المفاهيم و المقاصد التالية:
- السرّية
- الانتصار و قوة الإرادة
- الغنيمة
- التقوى
- التهذيب
-----------
السرّية:
فنحن نصوم تعبّدًا لله سبحانه (كُتِب عليكم الصيام) فهو عبادة مفروضة، و لكننا نحتاج لوعي تام ونحن نمارس هذه العبادة، فهي تتصف بالخصوصية و السريّة بينك و بين ربك.
فمن الذي يعلم بأنك صائم إلا الله؟
و من الذي يراقب صيامك وامتناعك عن الطعام والشراب؟
و لهذا جاء في الحديث القدسي (إلا الصوم فإنه لي و أنا أجزي به، يدع شهوته و طعامه من أجلي..).
فتأهّب لهذه السريّة بصدق النية.
و اعلم بأن هذه الخصوصية بينك و بين ربك و لا يعلمها أحد من خلقك.
الانتصار و قوة الإرادة
الصائم منتصر.. منتصر على شهواته و ملذاته، فهو يكبح لجام شهوته عن المباحات كالطعام و الشراب طاعةً لله تعالى، و من باب أولى أنه سينتصر أو قادر على الانتصار على الشهوة المحرمة و الذنوب ما دام أنه ممسك عن الشهوة المباحة.
و هذه شهادة قُدرة و انتصار على الشهوة المحرمة لا تتحقق إلا بالصيام و ما أكثر الغافلين عنها..!!
و سيكتمل مفهوم الانتصار الحقيقي حينما ندرك (الصبر على الطاعة) و (الصبر عن المعصية)، فنحن نصبر على أداء الطاعة كالإمساك من الفجر و حتى المغرب، و صلاة القيام و هذا من الصبر على الطاعة. و نصبر عن فعل الممنوعات فنتعلم الصبر عن المعاصي.
و عندها.. سنكون أقوياء الإرادة و منتصرين و لا شك.
أتدري لماذا يسمى رمضان شهر النصر؟؟
لأن الصحابة استطاعوا في شهر الصوم أن ينتصروا في غزوات كبرى كبدر و الخندق و فتح مكة و التي كانت في شهر رمضان.
و تأكد بأننا لن نستطيع أن نتغلب على غيرنا مادمنا لم نستطع أن ننتصر على شهواتنا و أهوائنا و أن نربيها على الفضيلة و أن نزكيها بالإيمان و أن نروي ظمأها بسلوك الاستقامة.
الغنيمة:
ما أكثر الغنائم و ما أقل الرابحين!!
أتدري لماذا تكثر المسابقات في رمضان؟
يريدون منك أن تربح معهم مع أن نسبة ربحك و فوزك لا تصل إلى 0,01%، و مع هذا فنحن متفائلون جدا و نشارك بقوة من أجل تحقيق المكاسب.
و لكن الله جل في علاه يدعوك للربح الصادق و يضمن لك مع النية الحسنة و المتابعة الصحيحة أن تحصل على أضعاف مضاعفة من الأجر و المغفرة.
و هذه هي أعمالك و مهامك التجارية الرابحة:
من فطّر صائما كان له مثل أجره
الملائكة تستغفر لك مادمت صائما
يُستجاب لك إذا دعوتَ الله عند فطرك
العمرة تعدل حجة مع الرسول صلى الله عليه و سلم في رمضان
عبادة ليلة القدر أفضل من عبادة ألف شهر في غير رمضان
قم مع الإمام .. ستُكتب لك قيام ليلة
أبواب الجنة مفتحة و أبواب النار مغلقة و الشياطين مصفّدة
بادر أخي بالتجارة الرابحة.. عسى الله أن يجعلك من العُتقاء من نيرانه .
التقوى:
(لعلكم تتقون) لهذا السبب الرئيسي شُرع الصيام.
فالتقوى غاية، و تحقيقها مطلب.
لقد تفرّغت عن الانشغال بالملهيات من الأطعمة و الأشربة حتى تتفرغ لمهمة كبيرة.. فلتكن حصيفا فطنا.
و معنى التقوى المطلوبة هي أن يُعبدَ الله فلا يُعصى، و أن يُذكر فلا يُنسى، و أن يُشكر فلا يُكفَر.
تهذيب الأخلاق:
كم من الناس قد غفلوا عن تحسين أخلاقهم في رمضان و لم يعلموا أن رمضان محطة لتعديل السلوك و تصحيح الخلق.
"فإذا كان يومُ صومِ أحدكم فلا يرفث و لا يسخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم". "و من لم يدع قول الزور و العمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه و شرابه ".
إن تهذيب الأخلاق هدف ينبغي أن نستشعره جيدا في حياتنا و في رمضان، فنعلم أن الجوارح تصوم.. فاللسان يصوم عن اللغو و قول السوء.. و الأذن تصوم عن سماع الحرام.. و العين تبتعد عما ألِفَت النظر إليه من العورات و المنكرات.. و القلب يصوم عن الميل للشهوات و يتفرغ للعبادات القلبية.
إذا لم يكن في السمع منّي تصاوُنٌ ** و في بصري غضٌ و في منطقي صمتُ
فحظي إذًا من صومِيَ الجوع و الظمأ ** و إن قلتُ أني صمتُ يومي فما صمتُ
فرُبَّ صائم حظه من صيامه الجوع و العطش؟؟ لأنه لم يدرك هذه المقاصد..
و رُبّ قائم حظه من قيامه التعب و النصب؟؟ لأن قلبه لم يخشع و عقله لم يتدبر..
اللّهم استعملنا لطاعتك، و وفقنا لنكون من الطائعين الفائزين، و من عتقائك يا رب العالمين.
المصدر: موقع صيد الفوائد
الرابط:
http://www.veecos.net/portal/index.php?option=com_content&view=article&id=9827:2013-07-10-05-17-05&catid=26:edu-articles&Itemid=30