حديث أبي هريرة رضي الله عنه:(بدأ الإسلام غريبا و سيعود كما بدأ غريبا ، فطوبى للغرباء ) رواه مسلم هؤلاء الغرباء هم أهل السنة، هم قلّة قليلة ،و طوبى قيل هي الجنة، وقيل هي شجرة في الجنة، و الغرباء هم أهل المراتب و المنازل العالية في الجنة.
قيل:" من هم يا رسول الله ؟ قال:( الذين يصلحون إذا فسد الناس) هذا وصف آخر لهم ، فهم أهل صلاح في أهل فساد ، يصلحون في عقيدتهم ، يصلحون في أخلاقهم ، وقال صلى الله عليه وسلم :(الدين يفرون بدينهم من الفتن) و الفرار من الفتن له طرق عديدة، من بلد الفتن ، و من مجالس الفتن ، ومن مواطن الفتن كالأسواق ،و كالإمساك عن الفتن العامة ، الرجل كلّما كان أبعد عن الفتن كلّما كان ذلك أبرأ لدينه.
قال صلى الله عليه وسلم:( يصلحون ما أفسد الناس من سنتي ما أفسد الناس من العقائد ومن البدع، ويبصرون الناس ، وهم ميراث النبي صلى الله عليه وسلم ، وينفون عن دين الله البدع و الضلال، و يقدمون السنة في كل النوازل على الآراء .
أمر السنة ظاهر ، و الطائفة ظاهرة ، طائفة أهل السنة ، لا يحتويها بلد ، وليس لمن أراد الهدى إلاّ أن ينتسب لهذه الطائفة ، وهي إلى اليوم ظاهرة ، أظهر من أي وقت مضى ، وهم الذين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم و أمر بالالتفاف حولهم، و الانضمام إليهم إذا اختلف الناس في حديث أبي ذر رضي الله عنه.
بيان وقت أهل الغربة:
أنهم يَصلحون إذا فسد الناس، و في أخلاقهم ، الطريقة السالمة من الشبهات و الشهوات هي الوصف الأعلى للسنة ، حصلت لهم السلامة من فساد العقيدة و فساد الأخلاق ، هؤلاء استقامت عقيدتهم واستقامت أعمالهم ، هم قدوة الناس ، هم كالمصابيح في الأحوال المظلمة ، هؤلاء الأئمة الذين وفقهم الله و أعانهم على العمل بهذا العلم ، المتمسك بالسنّة في آخر الزمان كالماسك على الجمر ، عند فساد الناس
لأنه ليس لهم أعوان ، و الواحد منهم له أجر خمسين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، لكل عمل جزاء عند الله تعالى ، وهم على مرتبتين :
- من يصلح في نفسه واستقام على السنّة .
- وعلماء أصلحوا أنفسهم و قاموا بإصلاح غيرهم,
خرّج الطبراني :" إنّ من إقبال الدين زما جاء به النبي صلى الله عليه ويسلم أن تكون القبيلة على الفقه وخير إلاّ فاسقان ذليلان ، وإنّ من إدبار الدين أن تجفوا القبيلة فيفجر أصحابها إلاّ فقيهين ملولين مقهورين ، المخالف و العاصي قد جفا"
الطبراني يقصد بقوله فقيهين مذلولين أي لا يقصدهم الناس أو أغلب الناس لطلب العلم عندهم و طلب النصيحة و الاسترشاد بتوجههما ، أماّ المؤمن فعزيز أعزّه الله بهذا الدين.
العلم قد يحصل الضلال بعد وجوده ، لكن الفقه لا يحصل به الضلال ، الفقه لا يحصل بمجرد نقل العلم و الاطلاّع على النصوص ، لكن نور يقدفه الله في قلب الرجل ، والدليل الخوارج قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يقرؤون القرءان لا يجاوز تراقيهم) ، نسمع من يحفظ النصوص ، و الكتب المصنفة كالبخاري ،ويحفظ القرآن ، مستوعبا للنصوص ، المقياس بما يتكلم به الرجل ، هل يدعوا إلى السنّة ؟ وإن كان علمه قليل ، وعنده بعض المخالفات ، العبرة هو أن يكون الرجل على السنة ، أماّ كونه مؤثر أو غير مؤثر ن قال الله تعالى في المنافقين ( إن يقولوا تسمع لقولهم) عندهم فصاحة ،وقد قال بعض أهل العلم :"الفصاحة من النفاق ، و العي من الإيمان" ، لهذا كان السلف لا يغترون بمن يمشي على الماء ، أو يطير في السماء ، فكيف نغتر بمن حفظ القرآن ، و الكتب ، ودمعت عيناه ، ويحسن الكلام، بينما يأتي الرجل العالم لا يحضر مجلسه إلاّ القلّة القليلة من الناس ، ولو استطاع للحق به العلماء لأجل علمه و اتباعه للسنة.
الرجل تعلوا درجته بمقته لنفسه ، وحسن ظنّه بإخوانه ، ومن العجب أن يظن الجاهل أنّه من أفضل الناس وقد يكون من المنافقين أعود بالله.
قال يونس بن عبيد :" ليس شيء أغرب من السنة ، و أغرب منها من يعرفها" وقال سفيان الثوري:" استوصوا بأهل السنة خيرا فإنهم غرباء" أهل السنة هم قلّة في الناس ، الغربة المذكورة في الحديث هي غربة أهل السنة في المسلمين ، لكن عند اقتراب الساعة ربما تكون للمسلمين بالنسبة للناس ، ولهذا ورد لأهل السنة الثواب المخصوص ، أنّ للعامل منهم أجر خمسين ، بعد أن عمّ الجهل ، المعين لهم قليل ، لهذا استحقّا الثواب العظيم على هذه المجاهدة ، العمل في وقت غفلة الناس يزيد في فضله ، كذلك الرجل الصالح في المجتمع الفاسد ييز يد من أجره.
(كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) الغريب لا ينافس أهل البلد في بلادهم ، لا يشتغل بما يشتغل به أهل ذلك البلد ، وإنما يعد للرحيل ، وهكذا الناس مستقرهم في الجنّة ، لا يشتغلون بهذه الدار التي هي محل للتنغيص و الكدر ، الناس هم في رحيل إلى الآخرة ، هذه الدنيا مزرعة للآخرة ، الذي يبني على الدنيا كالذي يبني على البحر ، يأتي البحر فيأخذ كل شيء.