أسّس القرآن لمبدأ حضاري عظيم هو أنه لاينبغي أن يكون في المجتمع الإسلامي أي شخص فوق المساءلة حتى لايتحول إلى مصدر لحماية الفاسدين و المقصرين وه ذا واضح من خلال عتاب القرآن الكريم للنبي صلى الله عليه و سلم على بعض اجتهاداته على ماهو مشهور في العديد من الآيات القرآنية.
إن النقد الذاتي يشكل مرتكزاً من أهم مرتكزات أي نهضة لأي أمة و هو يشكل حجر الزاوية في الحضارة الغربية.
لدينا أسئلة محرجة تجعلنا نحدّق في المرآة لنرى أنفسنا و سلوكياتنا على ما هي عليه.
إثارة الأسئلة الصعبة جارحة و الإجابة عنها أيضاً جارحة لكن آلامها تظل أخف من آلام استمرار مآسي الإهانة و الظلم و الاستبداد و العوز التي يعاني منها مئات الملايين من المسلمين في أنحاء المعمورة.
1- كيف استطاع مهاجرون مختلفو الثقافات و الأديان و بعضهم أشبه بحثالات من تشييد دولة قوية جدا و جذابة للعيش لكل أبناء أمم الأرض كما هو الشأن في الولايات المتحدة الأمريكية ؟
و كيف استطاع الصهاينة إقامة دولة في فلسطين من خلال استقدام ملايين اليهود من 126 دولة.
دولة مزدهرة و مستقرة و محتلة لأراضي دول كبيرة حولها.
دولة لم تشهد عبر أكثر من 60 سنة سوى اغتيال سياسي واحد!
الهند ذات الملل و النحل و اللغات و أكثر من ألف مليون من بني آدم دولة مستقرة و مزدهرة أكثر بكثير من جيرانها المسلمين الذين تعصف بهم الحروب و التصفيات الكيدية و يلفها الفساد من الرأس إلى أخمص القدم!
لماذا صارت الفرقة و التشتت و التخوين و الاقتتال الداخلي و النزاع حول صغائر الأمور من اختصاص العرب و المسلمين مع أننا نفخر باسم أهل السنة و الجماعة ؟!
2- لماذا معظم المسلمين اليوم فقراء و محتاجون و مستهلكون لما ينتجه غيرهم مما يجعلهم يعيشون على هامش العالم في كل مجال من مجالات الحياة ؟!
3- لماذا نحن خلف الأمم في معظم مؤشرات التحضر : التعليم و البحث العلمي و الصحة و الصناعة و التقنية و الخدمات و الضمان الاجتماعي ؟!
4- لماذا ينتشر بيننا الكذب و الفساد المالي و الإداري و الرشوة و أكل حقوق العمال و المستضعفين إلى جانب المجاملة و المداهنة على حساب العقيدة و المبدأ؟!
5- لماذا نحن مشدودون إلى الماضي و نقيم المعارك الحامية حول تفسير أحداثه و الدفاع عن تصرفات رجالاته مع أن الله تعبدنا بالمنهج الرباني الواضح و الشامل و ليس بالسوابق التاريخية ؟!
سأكتفي بهذه التساؤلات لأقول في الجواب عن كل هذا : إن هناك من سيقول فورا : السبب هو عدم التزامنا بديننا و مكائد الأعداء لنا.
هذا و لا شك صحيح و لكن لماذا لم نلتزم بأمور ديننا رغم مر الشكوى من الجميع و السؤال الآخر هو :ما الشيء الذي التزم به الهنود و اليهود و الأمريكان حتى لايتقاتلوا و يبدعوا و يهيمنوا. ..؟
إن مكائد الأعداء لنا ليست سببا في تخلفنا و لكن ضعفنا و تفرقنا هو الذي يعبّد الطريق لسيطرة الأعداء علينا.
يوم سقوط الدولة العباسية مثلا لم يكن هناك شرق و لا غرب كنا نحن الشرق و الغرب!
لنا مصلحة كبرى في التوقف عن البحث عن مشجب نعلق عليه خطايانا و أخطاءنا.
6- لدينا خاتمة الرسالات التي منحتنا الرؤية و المنهج و هدتنا إلى سبيل النجاة و السعادة في الدنيا و الآخرة و لكن علينا الإبداع في إيجاد النظم و الآليات و الوسائل التي تخدم المبادئ و تحولها من عقائد و شعارات إلى أشياء حاضرة و مؤثرة في حياتنا و علاقاتنا.
قبل هذا علينا أن نكف عن تحويل الوسائل التي أبدعها أسلافنا إلى مقاصد نجمد عليها و نحار في تحقيقها كما حصل في تعاملنا مع مسألة الحكم و إدارة الشأن العام في معظم التفاصيل.
أنا واثق من عظمة هذه الأمة و من قدرتها على الذهاب إلى الريادة الحضارية لكن هذا يتطلب مناهضة متواصلة لثلاثة أعداء عتاة : الجهل و الفقر و الاستبداد.
و الله المعين و الهادي إلى سبيل الرشاد.