و يظلّنا شهر رمضان بظلاله الوارفات الحسان، و يمطرنا به ربنا بالخير و الرحمة و الإيمان، و تغلق به أبواب النار و تفتح أبواب الجنان، و أمة محمد صلى الله عليه و سلّم، تحنّ إلى لياليه فتعمرها بالقيام، و تكرم نهاراته فتعمرها بالصيام، و بين هذا و ذاك من الأعمال الصالحات الكثير، و من الخير الذي يعمر القلوب الوفير، و لكنها لا تخلو من كثير الغافلين، الذين اركنوا إلى الدنيا و غرتهم بغرورها، و تلاعب بهم الشيطان فأخرجهم من صفوف الأمة عملا و بقوا فيها عقيدة و دينا، فلا هم أهل صلاة و لا صيام و لا زكاة و لا نسك، اكتفوا من الدين بكلمة التوحيد، و مانستصغرها و لكنها تحتاج إلى تصديق من الجوارح
و فيها أولئك الذين اعتقدوا الإسلام شعائر خاصة لا روح فيها و لا حس ول ا تكليف و لا أثر، فجمعوا المال من غير وجه حق و أنفقوه في غير وجه حق، فيها من جمع فأوعى، فلا حق لفقير أو مسكين في مال الله الذي آتاه، شبع و جاره جائع، و ورث و أخته محرومة، و اكتسى و اليتيم عريان، و تنعّم و غيره في شقاء و هو قادر على مد يد الخير و المواساة.
و فيها نساء اتخذن شريعة الغرب شرعة و منهاجا، و سلكن وديان المهالك خلف الهالكات من ربيبات الغرب، و فيهن من تنظر إلى دينها بخجل و قد أشربت مقولة الكفار {إن الإسلام يظلم المرأة و يلغي حقوقها } زور آمنت به و بهتان افتراه عدوّها فصدقته غباء و جهلا.
و فيها أولئك الذين تحسبهم من أمة المصطفى و ما هم منها، و قد ركبوا مركب أعداءها و ضربوا بسيفهم و تطاولوا على ضعفاءها و شتموا رموزها، ففارقوها دينا و فعلا و ما زادوها إلا ضعفا و وهنا و مكيدة و فرقة و انهزاما.
و فيهاالعلماء العاملون، يحرسون حدود الله و أحكام شرعه و كتابه و سنة نبيّه صلى الله عليه و سلم و فيها النساء الصالحات العاملات، و الشباب المتعلقون بالمساجد يعمرونها بالقيام و القعود و السجود و القرآن، و الثائرون على الباطل المنحاز لأعداء الله، فيها الخيرون و الخيرات و الصالحون و الصالحات و المستغفرون و المستغفرات و الصابرون و الصابرات مؤمنون و مؤمنات لا يعطون الدنية من دينهم و لا شرع ربهم.
و فيهاالمرابطون المجاهدون، في الهند و الصين و أوروبا، و الشرق و الغرب و في كل مكان نبض فيه قلب بالاسلام و نطق فيه لسان بالتوحيد.
و على رأس تلك الثغور كلها ذلك المسجد الذي تشدّ إليه الرحال بأمر النبيّ صلى الله عليه و سلّم،و فيه الصلاة بخمسمائة صلاة، فمن لم يقدر على صلاة فيه، فليرسل بزيت تضاء به قناديله، و يا لقناديل الأقصى فيك يا رمضان، و هي ترسل أشعتها المضيئة بدماء الشهداء، و تبث نورها عبر مشاكيه البديعة، من دموع الضعفاء المستضعفين، من الرجال و النساء و الولدان، و يا لمآذنه و هي تزأر بالتكبير فتغرسه سهاما في أكباد اليهود.
و أمة محمد صلى الله عليه و سلم في رمضان، تتوجه إلى ربّها بالدعاء الصادق، أن ينصرها و يرزقها ، و يرسل سماءها عليها مدرارا، و يملأ سهولها و جبالها، أغوارها و هضابه، مدنها و كورها و قراها و بواديها، خصبا وفيرا، و خيرا عميما، و أمة محمد صلى الله عليه و سلّم في رمضان و قبله و بعده، تبتهل إلى ربّها ان ينصرها على عدوها، فلا يرفع له راية و لا يحقق له غاية، و هنا و هناك، تنطلق الدعوات من القلوب الكليمة، و الأرواح المستباحة، و الجماعات المستضعفة، أن ينصرها الله على عدوه و عدوّها، و أن يرفع عنها البلاء و الغلاء و القهر و المذلّة و الهوان، و أمة محمد صلى الله عليه و سلّم تدعو ربّها، ألا يكون فيها محروما من رحمة الله، و لا شقيا بمعصية مولاه، و إن يأخذ لها بثأرها من فراعنتها، و من عطّل شرع الله فيها، و إعتدى على أبناءها، و قتل علماءها، الذين يريدون لها الخير، و شرّد مستضعفيها في أصقاع الارض، و أن لايأخذها نكالا بتقصيرها، و أن لا يقطع حبل الصلة بينها و بين ربّها، فتضلّ و تخزى، و تستذكر الأمة سبل العزة، و الرزق و النصر و التمكين فتجده في كتاب الله و سنة نبيّه صلى الله عليه و سلم و هو يقول لأمته{ توبوا إلى الله قبل أن تموتوا، و بادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، و صلوا الذى بينكم و بين ربكم تسعدوا، و أكثروا الصدقة ترزقوا، و أمروا بالمعروف تخصبوا، و انهوا عن المنكر تنصروا.
أيها الناس .. إن أكيسكم، أكثركم ذكراً للموت، و أكرمكم أحسنكم استعداداً له. ألا و إن من علامات العقل التجافى عن دار الغرور، و الإنابة إلى دار الخلود، و التزود لسكنى القبور و التأهب ليوم النشور
{اللهم احعل رمضان علينا شهر يمن و بركة و رزق و نصر و مغفرة يا رب العالمين} .