في أولى أيام التسجيلات للموسم الجديد جاءني ولي من الأولياء لتسجيل أبنائه في المدرسة القرآنية التي أديرها، و دبج لحديثه بأنه حضر لتسجيل أبنائه بعدما استمع لحصة إذاعية تحدثوا فيها عن المدرسة و أعجبته رسالتها، و كنت قد سجلت في آخر الموسم المنصرم حصة إذاعية " فضاء الجمعيات " تحدثت فيها عن الفرع الذي أديره و عن رسالتنا في التعليم القرآني و عن أنشطتنا المختلفة بإسهاب.
ما شدني في الموضوع كلامه البسيط و العميق الذي يلج أعماق النفس فيملؤها فخرا و يزيدها عزما و يحمّلها أكبر أمانة في آن واحد .. قال بنبرة الشاكر .. لقد عدتم بنا للعام 1931 ملمحا لمنجزات الشيخ الإمام عبد الحميد بن باديس و إسهامات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في تنوير العقول و تحريرها من الجهل الذي كبلها دهرا، و كذلك المجتمع اليوم بحاجة لجهود الجميع في انتشال هذا الجيل من وحل الآفات و زخم الخرافات و أسر التفاهات .. قالها بكلام بسيط يعبر عن كل هذه المعاني العميقة .. نحن بحاجة لكم، لهذه الرسائل النبيلة التي تحملونها من خلال الأنشطة التي قمتم بها و مفهومكم للتعليم القرآني الذي ترسخون فيه كل قيمة سامية و كل خلق رفيع يجعلنا نطمئن لأبنائنا بينكم و عندكم ..
في الحقيقة مثل هذا الكلام لا يجعلنا نفتخر و حسب و نفرح بالمجهود البسيط الذي نقدمه و الذي يؤتي ثماره بإذن ربه أضعاف ما نبذل من جهد بتوفيق من الله و عونه، و لكن يحمّلنا مسؤوليات جسام في حمل الأمانة بإخلاص و إيصالها بصدق لأكبر شريحة من المجتمع و يزيدنا عزما في مواصلة المسير بلا كلل و لا ملل و لا منٍّ .. و بأن نجرع المر و نتحمل المشاق و نتجاوز العقبات لكي نكون في مستوى الثقة التي وضعها فينا مثل هؤلاء البسطاء لنعينهم في احتضان و تربية جيل قرآني يحمل في صدره القرآن منهجا و تطبيقا يجعله مميزا و مفيدا و صالحا و مصلحا لنفسه و أسرته و مجتمعه بإذن الله.
و رسالتي هذه المرة ليست للأولياء بل لكل الحاملين لمشعل التعليم و التربية في المدارس القرآنية و المؤسسات التربوية من معلمين و مربين و مدراء و مستشارين تربويين و غيرهم ممن لهم علاقة تربوية مباشرة مع أبناء هذا الجيل .. أخلصوا النيات و احملوا المشعل بيد قوية و قلب صادق و عقل نقي و ابذلوا كل جهد لا تيأسوا و لا تتحججوا بأوضاع فاسدة و لا بمستوى هابط و لا بشح إمكانيات، بل اجتهدوا بالمتاح و اصبروا على كل العقبات لتساهموا بشكل أو بآخر في انتشال هذه الجيل مما هو فيه من ضياع و هوان في كل المستويات، اغرسوا في نفسه كل قيمة جميلة و نوروا عقله بكل فكر سديد و ضخوا روحه بكل عزم رشيد، و لا تقولوا لا فائدة مما نعمل لأنكم لا تدرون بأي أرض ينبت زرعكم.
المجتمع فعلا بحاجة لجهود جيوش المخلصين من أبنائه إذا يئسوا جميعا مات و إن حمل المشعل و لو قلتهم ظل فتيل الأمل مشتعلا يزيد نورا مع صدق الصادقين و إخلاص المخلصين و كثرة الحاملين للمشعل، فلا تحرموا أنفسكم من حمل بصيص الأمل و غرس النبتة الطيبة في الجيل بإذن الله.