ظاهرة يشتكي منها كثير من الآباء و الأمهات الذين على جانب معتبر من الالتزام بتعاليم الدين، حيث يتوفر لأبنائهم على حد قولهم جو الالتزام المناسب في البيوت منذ الصغر فالأبوان يحافظان على الصلاة في وقتها و يصومون النوافل بشكل منتظم و يقومون قدرا من الليل، و يقرؤون القرآن، و هم يتحرون كل خلق كريم، ثم أنهم يساعدون الناس و يمشون في حاجاتهم و هم أيضا ذاكرين لله أناء الليل و أطراف النهار، و كل مشاهداتهم للتلفاز حصصا مفيدة لا غناء و لا توافه و لا شيء من هذا القبيل، و غيرها مما يلتزمون به و يدعون الناس إليها.
ورغم توفر كل هذه الأجواء لأبنائهم ورغم حرصهم على تربيتهم و تنشئتهم على هذه الالتزامات إلا أنهم يفاجئون حين يكبر أبناءهم بأنهم لا يبقون على التزامهم، بل يجدون منهم صدودا و نفورا عجيبا من كل هذه الالتزامات، فلا صلاة في وقتها إن صلوا أصلا، و يصبحون أقل إقبالا على حلقات تحفيظ القرآن و قد يخرج منهم من يدخن و منهم من تسوء أخلاقه فيتلفظ بقبيح الكلام و لا يحترم كبيرا و لا يعين محتاجا و حياته كلها تفاهة و تضييع وقت و غناء، و منهم من يبقى على شيء من الالتزام و لكن على مضض يفعل ذلك فقط أمام والديه ليرضيهما أو خوفا منهما، لكنه إذا خلا بأصحاب السوء أطلق العنان لشهواته و استغراقه في الملذات التي حرم منها بحسب رأيه من والديه، و قد ينظر لتعليماتهما على أنها أصبحت قيودا و أنهم ما زالوا متزمتين و أنهم يعيشون زمنا غير زمانه، و أنهم لا يقدرون احتياجات سنه و لا يفهمون رغباته، و هم يرون فيه الطفل العاق الذي انفلت من زمام الأسرة و تعاليمها و نسي ما ربته عليه و تنكر للمثل التي غرسوها فيه ..
و من هنا تبدأ رحلة التباعد و التنافر بين الطرفين من جهة الوالدين الذين يصران على وجوب التزام الولد بهذه السلوكات و الأخلاق و العبادات كما علموه بالضبط، و من جهة أخرى يرى الطفل أنه حرم من طفولته و قضاها في إصرار والديه عليه بالتزام عبادات تكبره، فهو يحب في رمضان مثلا أن يقضي وقته مع أقرانه في اللعب في أجواء رمضانية مميزة له تبقى في ذاكرته و تحبب له رمضان أكثر بدل أن يرغم على صغر سنه على التزام التراويح التي لا يعي قيمتها و لا يستوعب عقله الصغير مغزاها و أجرها. و هو أيضا يرغم على صيام يوم شديد الحر و هو في سن بعيدة عن وجوبه عليه، و هو يرغم على الصلاة في فجر يوم شديد البرد في سن الخامسة و السادسة .. و كلها بحجة تعليمه و تنشئته و تعويده على العبادات .. فينفر من العبادات التي أكره عليها للأسف.
و رسالتي للأولياء أن يتعاملوا مع الموضوع بحكمة و حب بدل الإرغام و التعنيف حتى يتربى الطفل على كل عبادة بشكل سلس يتناسب فمثلا بالنسبة للصوم يعلم حين يقترب من سن البلوغ قبلها بسنة أو سنتين أو حتى ثلاث و أكثر و لكن يراعى الأيام السهلة للتدريب و يشجع الطفل و يعامل على أنه بطل بلا تعنيف أو رسالة سلبية، و مثلها الصلاة يراعى حديث النبي صلى الله عليه و سلم بالتدرج في التعليم المحفز لثلاث سنوات دون عقاب أو تعنيف بأي شكل من الأشكال و قبلها لا يرغم الطفل و لا يعلم .. و هكذا مع كل العبادات و الأخلاق تغرس غرسا بحب و تحبيب و تشجيع بشكل بسيط غير متزمت بحيث يراعي حاجة الطفل للعب و يترك على راحته في استمتاعه بطفولته و إنما يكون التعليم و التدريب بسلاسة تجعله هو يتعلق بها بشكل تلقائي يتجذر يوما بعد يوم .. فرفقا بأبنائكم حتى لا يشبوا على كره التدين ..