في اليوم الذي تقدم لها، توجست خيفة منه...أروي كانت يتيمة...كان يتيم...و قد علق في بالها تجربة صديقة طفولتها عند زواجها من رجل مزارع و كيف أنها وجدت فيه زوج عنيف يضربها لأتفه الأسباب و كان يستخدمها في مزرعته كخادمة من دون أجر. يوقظها في كل وقت و في عز الليل لتحضر مآدب خرافية لمدعويه و كانت أشغال المزرعة تمثل ثقل علي كتفيها ...و في النهاية خرجت من تجربة زواجها بعاهة مستدامة، أدخلتها دار عجزة بعد ما رماها زوجها العنيف بورقة الطلاق.
و لهذا إشترطت في عقد زواجها عدة شروط، تضمن لها علي الأقل معاملة إنسانية. بينما هو قرأ شروطها مندهش لكنه قبلها و وقع تعهد بإحترامها. كان رجل صاحب مزرعة هو الآخر و كان البيت الرئيسي واسع و بإمكانه إستقبال للعيش عدة أفراد و في اليوم الذي دخلت فيه البيت لاحظت الأثاث المتواضع لكنه مرتب بذوق، فسألت زوجها :
-من رتب ديكور البيت ؟
-أختي الصغيرة قبل موتها في حادث سيارة. أجابها زوجها. فحزنت و عزته في أخته.
في الشهور الأولي من الزواج، كانت تتعامل معه بحذر و لاحظ ذلك زوجها. لم يقل شيئا و أدرك بحدسه أنه يتعين عليه كسب ثقتها و حنانها، و في يوم ما قال لها :
-المطبخ مفتوح علي حقول القمح و لدينا باب نافذة في جناحنا ينفتح علي المروج من الجهة الأخري، فما رأيك إن وضعت طاولة هناك لنتناول فطور الصباح أمام الخضرة و اشجار البلوط ؟
وافقت. و كان ذلك و في الصباح التالي و مع جو مشمس جلست و إياه يتناولان فطور الصباح و من عادتهما فعل ذلك في صمت. إلا أنه رغب في معرفة سر تحفظها ناحيته، فسئلها مبتسما :
-نحن متزوجين منذ 8 أشهر لكنك متوجسة مني، أليس كذلك ؟
ردت :
-صدقت.
-لم ؟
لم تجبه بل نظرت إليه مليا و كأن شيئا ما في ملامحه شجعتها علي فتح باب علي معاناتها الداخلية :
-منذ زواجنا و من أول يوم لم أري منك إلا الخير حقيقة، إلا أنني يتيمة مثلك و كانت لي صديقة طفولة عانت كثيرا من زوج مزارع و من شدة عذابها إنتهت علاقتها الزوجية في دار عجزة بإعاقة جسدية، فقد بتر زوجها بآلة الحصاد قدمها الأيمن. لا أخفي عنك مدي صدمتي و كيف أنني رافقتها في مأساتها التي تركت في اثر غائر من الصعب تجاوزه في مدة قصيرة.
شعر بدوره بصدمة و قال عفويا :
-سبحان الله هل هذا زوج ؟ يستحيل. كيف يؤذي المرأة التي آمنت به لتتزوجه ؟ ثقي بأنني لست نسخة منه و أتفهم حالتك النفسية و وعد مني أنني سأسعدك بإذنه تعالي.
رغم وعده ذاك ظلت متوجسة و في أمسية و هما يتأملان هطول الغيث بعيدا عن شاشات التلفزة و الحواسيب من كل نوع، باح لها بما يلي :
-لتطمئني تماما سأقول لك كيف تعرفت عليك ؟ هل تظني أنني تقدمت إليك هكذا من دون سابق ظروف معينة ؟
نظرت إليه مستفسرة :
-ماذا تعني ؟
-أتذكرين أنك في يوم من الأيام قمت بإعطاء حقنات لسيدة مسنة مريضة و كانت جارة لك و زوجها إستعان بك لعدة ايام و فعلت ذلك مجانا عن طيبة خاطر.
-كيف عرفت كل هذا ؟ سألته في غاية الدهشة.
-حفيد تلك السيدة العجوز حكي لي الأمر و هكذا لفت إنتباهي إلي شخصك. فعزمت علي مقابلتك لأتأكد بنفسي و سألته أين تتبضعين ؟ فأعطاني المساحة التجارية التي ترتاديها في العادة و ذهبت هناك في التوقيت التي تتواجدين فيها و إصطدمت عربتي بعربتك و لحظتها تمكنت من الحديث معك و رؤيتك عن قرب. أتذكرين ماذا قلت لك ؟
حاولت الإستذكار، سدي :
-كنت مجرد مار بالنسبة لك و ذاكرتك لم تحتفظ بي بينما امضيت وقت و أنا أراقبك و اسئل عنك و علمت هكذا أن كل الشروط إجتمعت فيك لأتزوجك و تركت البقية علي قضاء الله و قدره و الآن ماذا ستقولين لي ؟
إبتسمت و هي تراه يصب شايه الأحمر و يضيف حليب ناصع البياض. كانت المروج امامهم في حلتها الخضراء و قطيع الخرفان يتجول بحرية تامة. حط طائر غير بعيد عنهما متأملا إياهما، فرمت له فتات خبز البيت، فنط و إلتقطه بمنقاره.
حينها إستدارت إلي زوجها و قالت :
-ليس لي ما أقوله سوي انني محظوظة.
تمر الشهور ثم سنة و سنتين و تطمئن تماما الزوجة إلي زوجها و عند ولادة الإبن الأول و الثاني و الثالث والرابع كانت تجد في كل مرة زوج حنون عطوف إلي جنبها و قد ربوا أبناءهم سويا و تجاوزوا بعض المحن و بعض الأفراح جنبا إلي جنب مساندين بعضهما البعض و هكذا تحررت أروي من هاجس الخوف من الزوج الرجل...