قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

Sunday, 18 July 2021 16:31

في تاريخ ما ساد الصمت...

Written by  عفاف عنيبة

 

نحن في 1944 ببلد أوروبي تحت الإحتلال النازي.

وصل الضابط النازي الرفيع المستوي للمرزعة، وقف أمامه صاحب المزرعة من أبناء البلد و قد كان رجل طاعن في السن و لكنه كان لا يزال بصحة جيدة.

-كون مزرعتك مكان إقامة جيدة لي سأقيم عندك أنا و جنودي بعد إذنك و أعاهدك بأن لا أحد منا سينال من ممتلكاتك و لا منك. أخبره الضابط النازي.

نظر له صاحب المزرعة و لم يقل شيئا، كان مغلوب علي أمره كيف يقول لا لمحتل نازي ؟

-من يقيم معك في هذه المزرعة ؟ سأله الضابط النازي.

لم يجبه الشيخ بل نادي بصوت قوي، فسمع الضابط النازي خطوات خفيفة ثم ظهرت في قاعة الإستقبال للمزرعة شابة بين 21 و 24 سنة، لم تكن شقراء و لا سمراء إنما كانت ذات هيئة جذابة و جمال هاديء.

نظر لها سريعا الضابط النازي ثم أشاح بوجهه عنها ليسمع صاحب المزرعة يخاطبه هكذا :

-هذه إلينورا إنها حفيدتي الوحيدة يتيمة من الأب و الأم و هي  تقيم معي في مزرعتي.

بعد سماعه لترجمة مترجم قام بإشارة خاطفة برأسه مبديا تفهمه ثم إستدار ليتجه إلي جناح في البيت الكبير و الذي إقتطعه لنفسه.

كان ذلك الضابط النازي في الثلاثينات من عمره، غير متزوج، أجل فكرة الزواج إلي ما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية و كان أحد كبار الضباط النازيين المعروفين بصرامتهم في العمل و جديته البالغة.

كان يتناول أكله بصحبة الجد و الحفيدة.

لم يكن يتكلم معهما، فقد كان يسود الصمت البيت الكبير في المزرعة، يتحرك في صمت و كل طلباته تلبي بصمت و طوال اليوم كان غائبا يقود رجاله في الحرب.

كان يعود في الليل و يمر علي غرفة الإستقبال حيث كانا يجلسا الجد و الحفيدة مع بعض و لم يكن يشاركهما الجلسة محترما حرمة حياتهما الشخصية.

الجميع لاحظ و علي رأسهم الجد : كان الضابط النازي يتحاشي التعامل مع حفيدته إلا أنه أحيانا كان يتابعها بنظراته. كانت الفتاة في حالة سخط و غضب من وجوده إلا أنها كانت مجبرة علي الصمت خوفا من بطش النازيين. و من فرط تذمرها من وجوده لم تكلمه أبدا خاصة انه لم يكن يحسن الحديث إلا بالألمانية و قد صرف من اول يوم المترجم.

تمر الأيام و الأسابيع و الشهور و كان الجيش النازي يخسر معاركه في أماكن عدة و أولها في بلجيكا و كان يراقب الضابط النازي مسيرة الحرب و طريقة قيادته لكتيبته كان جد موفق فيها، كان من إنتصار إلي آخر. لم يخسر و جنوده أي معركة.

هذا و كان الجد محتار في أمر طوال إقامة الضابط النازي كانت حفيدته في مأمن تام، كانت تتحرك بحرية كبيرة بين عمال المزرعة و الجنود بل أدهشه حرص الضابط النازي علي أمنها و سلامتها... حتي أنه في يوم من الأيام أحد أبناء المنطقة تحرش جنسيا بالشابة، فتدخل الضابط النازي سريعا و في صمت و أنقذ الفتاة من براثن الوحش.

كان يمضي الوقت ببطيء تارة و تارة أخري كانت عقارب الساعة تدور بسرعة و في يوم ما أخبر الجد بتحريك يديه الضابط النازي أنه سيتغيب تلك الليلة و أنه يستوصيه خيرا بحفيدته التي ستبقي وحيدة في البيت الكبير.

قضي يومه كاملا في الحرب علي مسافة بعيدة من المزرعة ثم عاد ليلا، فعبر الرواق متجها إلي جناحه فإذا بمنظر يستوقفه، كانت الحفيدة جالسة في غرفة الإستقبال و قد كانت تطالع كتاب علي ضوء مصباح زيتي.

 بقي ينظر إليها، بينما هي لم تراه و لم تشعر بوجوده علي بعد امتار منها، تقدم خطوتين نحوها و ظل ساكنا، كانت تعتمل فيه مشاعر متصارعة كانت تلك الريفية الشابة إبنة دولة عدوة لدولته و في نفس الوقت كان شبابها و طبعها المتشح بكرامة متعالية يشده إليها. كم من مرة إلتقي بها في الحقول و علي الطريق و في أروقة البيت و المطبخ كان يلتقيها و لا يبحث عنها و في كل مرة كان يلاحظ صمتها الغاضب و يقرأ في عينيها الألم، ألم الإنسانة ذات النفس الأبية التي ترفض الإحتلال.

ما كان يدور في خلد الضابط النازي الشاب كان صراع أشرس من الحرب، ففي لحظة كاد الشيطان يتمكن منه لأنه مد يده ليلامس شعر الفتاة لكنه سرعان ما سحب يده و غادر في سكون تام و هكذا لم تتفطن  الفتاة لوجوده تلك الليلة علي عتبة غرفة الإستقبال.

و جاء أخيرا أمر بتحويل الكتيبة و قائدها إلي ألمانيا فقد كان إنسحاب موجع للضابط النازي لأنه كان منتصرا عسكريا و حرص بنفسه علي التحضير لعودة رجاله إلي ألمانيا، و نظف بنفسه جناحه و أحرق كل الأوراق و الوثائق الذي لم يكن بوسعه حملها معه.

و في ساعة متأخرة من ليلة ماطرة ودع الرجل العجوز و إتجه نحو السيارة العسكرية الألمانية، هناك وجد الفتاة تنتظره عند باب السيارة. نظر إليها مليا و شعر حينها بنوع من الإمتنان للرب لأن الشابة عبرت له عبر عينيها عن فاجعتها و كيف ستفتقده فقد كان فارسها المغوار الذي تملك قلبها و عقلها بصمته و عفته و جديته الكبيرة.

لم يحتمل رؤية دموعها تتساقط، فهو ضابط عسكري نازي تلقي أمر بالإنسحاب و العسكري النازي تعلم الطاعة و الدوس علي مشاعره من أجل هدف اسمي...

ركب السيارة و أنطلق سائقه و إختفت السيارة العسكرية النازية في الليل الدامس و غسلت هكذا مياه الغيث أثار رجل من زمن الرجال العظماء...و أسدل الصمت ستاره مرة أخري علي حقبة من حقب تاريخ الإنسانية...

Read 876 times Last modified on Wednesday, 08 February 2023 12:07

Add comment


Security code
Refresh

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab