يعمل المسلم العمل لا يريد به إلاّ وجه الله عزّ و جل، و يتأمّل ما هي عاقبة من عمل للمخلوقين، العمل للمخلوق ضائع هدر، جهد و تعب في الدنيا و عقوبة في الآخرة، و العمل لله عزّ و جل راحة في الدنيا للنفس، لأنّ المخلص لا يجد أثر العبادة، بل يجد المسلم راحته في عبادته لله عزّ و جل لأنه مخلص لله يبتغي ثواب الله عز وّ جل، المخلص مأجور على كل حال إذا اجتهد في تحقيق السنّة حتى و لو قصّر في شيء، فربما بلغ بنيّته ما لم يبلغ بعمله، إذا جاهد نفسه على الإخلاص، و من فقد الإخلاص فهو مذموم على كل حال و لو أصاب، هذا مما يحفّز الهمم على الإخلاص لله عزّ و جل.
الإخلاص هو شرط العبادة و ركن التوحيد، قال تعالى:(و ما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) سورةالبيّنة الآية 5.
و قال تعالى:(فاعبد الله مخلصا له الدين)سورة الزمر الآية 2.
لو قيل للرجل اشرب الخمر أو ازني أو كل الربى، فهل يقدم المسلم على هذا ؟ كثير من المسلمين لا يقدمون على هذا، و لكن قد يلبّس عليهم الشيطان في الشرك الأصغر و في الرياء و السمعة، و هذه أشد من الزنا و شرب الخمر و أكل الميتة، لأنها من جنس الشرك، و لهذا قال بعض أهل العلم أن ّ الشرك الأصغر يدخل في قوله تعالى:( إنّ الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر من دون ذلك لمن يشاء.)
فهذا ممّا يدل على أن الشرك الأصغر أكبر من الكبائر، لهذا يراقب المؤمن الله في أعماله و يجتهد في سؤال الله أن يرزقه الإخلاص، كان من دعاء عمر رضي الله عنه " اللهم اجعل عملي كله صالحا و اجعله لوجهك خالصا."
ربما يسأل أحدهم لماذا نجد من بعض السلف من يقول " الإخلاص هو عدم رؤية الإخلاص" و غيرها من الأقوال، ربما كان هذا من ورعهم، لكن المسلم عليه أن يكون فقيها بنفسه، المخلص لا تخفى حاله على نفسه ول ا على غيره.
على المسلم أن يعتني بهذا الأصل العظيم، و يعلم أن الإخلاص يتفاوت و ليس على درجة واحدة، لذا قال عزّ و جل:(ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) سورة الملك الآية 2.
قال الفضيل ابن عياض " أخلصه و أصوبه، على المسلم أن يعمل و يرغب فيما رغّب الله فيه من ثواب الدنيا و الآخرة، و إن عمل و هو راغب في ثواب الدنيا فقط فإنّ هذا لا ينافي الإخلاص لكن هو قصور، عليه أيضا أن يستحضر ثواب الآخرة، و هناك من يعمل و هو يزهد في ثواب الدنيا، هذا أيضا خلل، فهو زهد فيما رغّب الله فيه، حتى بلغ ببعض الزنادقة قولهم " نحن لا نعمل طمعا في الجنة و لكن حبا لله." الأنبياء عملوا من أجل دخول الجنة و لم يزهدوا في أجر الدنيا و الآخرة.
إنّ التزلف إلى الناس، و السعي لإرضائهم على حساب الدين، و طلب السمعة و الرياء لا يزيد الإنسان إلا خسارة و حرمانا، إنّ أعظم مقام للإنسان هو أن يكون عبدا لله، و أشرف منزلة له هو أن يكون عبدا لله، و يحشر المتقون على منابر، و على المسلم أن يكون منشرحا مسرورا إذا وفقه الله إلى هذا المقام العظيم و هو أنّه عبدا لله.