قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الإثنين, 24 شباط/فبراير 2014 08:47

الوعد الشرقي

كتبه  الشيخ علي الطنطاوي
قيم الموضوع
(0 أصوات)

قال لي صديق من زملائي في المحكمة:

كنت أمس وراء مكتبي فسمعت صوتا هائلا له رنين و صدى، كأنه صوت رجل ينادي من قعر بئر، أو يصرخ في الحمام، يقول:

السلام عليكم.

فرفعت رأسي فإذا أمام وجهي بطن رجل، و كأنه بطن فرس ضخم من أفراس البحر، أما رأسه فكان في نصف المسافة بيني و بين السقف، و مدّ إليّ يدا كالمخاطب يصافحني، ثم عمد إلى أكبر مقعد في الغرفة فحاول أن يدخل نفسه فيه فلم يستطع، فلبث واقفا و عرض حاجته و هي دعوة إلى اجتماع للمصالحة بين أخوين من إخواننا، و لم يكن من عادي إجابة مثل هذه الدعوة، و هممت بالرفض، لولا أني قست بعيني طول الرجل و عرضه، و عمقه و ارتفاعه، و آثرت السلامة و وعدته.

قال: أين نلتقي؟ فخفت أن أدله على الدار فيدخل فلا أستطيع إخراجه، فقلت له: هنا الساعة الثالثة بالضبط.

قال: نعم، و ولى ذاهبا كأنه عمارة تمشي.

و جئت في الموعد، فوجدت المحكمة مغلقة، و قد نسيت أن أحمل المفتاح فوقفت على الباب و الناس ينظرون إليّ، فمن عرفني أقبل يسألني، فأضطر لأن أشرح له القصة، و من كان لا يعرفني، حسبني أحد أرباب الدعاوى، فقال: (ما فيها أحد، سكرت المحكمة) فلا أرد عليه، و أنا واقف أتململ من الضجر، أرفع رجلا و أضع أخرى، و أقبل مرة و أدبر مرة، أنظر من هنا و هناك، فكلما رأيت من بعيد شيئا كبيرا أحسبه صاحبي، فإذا اقترب رأيت جملا عليه حطب، أو حمارا فوقه تبن، أو تاجرا من تجار الحرب الذين انتفخوا من كثرة ما أكلوا من أموال الناس، حتى مضت نصف ساعة، و أحسست النار تمشي في عروقي، غضبا منه و من نفسي أن لنت له و لطفت به، و ذهبت إلى الدار و أنا مصدوع الرأس، مهيج الأعصاب فألقيت بنفسي على الفراش. فلم أكد أستقر لحظة، حتى سمعت رجة ظننت معها أن قد زلزلت الأرض بنا، أو تفجرت من حولنا قنبلة، و إذا أنا بصاحبي الضخم، قد فتحت له الخادم فراعها أن رأت فيه فيلا يمشي على رجلين، فأدخلته عليّ بلا استئذان، و ولت هاربة تحدّث من في الدار حديث هذه الهولة المرعبة.

و نفخ الرجل من التعب كأنه قاطرة قديمة من قاطرات القرن التاسع عشر، التي لا تزال تمشي بين دمشق و بيروت، و ألقى بنفسه على طرف السرير، فطقطق من تحته الحديد و انحنى.

و أخرج منديلا كأنه ملحفة، و مسح به هذه الكرة المركبة بين كتفيه، و قال:

- هيك يا سيدنا؟ ما بنتنظر شوية؟ شو صار؟ حمّل الحج؟ سارت الباخرة؟ الإنسان مسير لا مخير، و الغائب عذره معه، و الكريم مسامح، وعدنا وعد شرقي؟

* * *



قال الصديق و هو يحدثني: فلما سمعت هذه الكلمة وقفت عندها، أفكر فيها، ثم جئت إليك أقترح عليك أن تكتب عنها.

وعد شرقي؟ أليس عجيبا أن صار اسم (الوعد الشرقي) علما على الوعود الكاذبة، و اسم (الوعد الغربي) علما على الوعد الصادق؟ 

و من علم الغربيين هذه الفضائل إلا نحن؟ من أين قبسوا هذه الأنوار التي سطعت بها حضارتهم؟ ألم يأخذوها منا؟

من هنا أيام الحروب الصليبية، و من هناك، من الأندلس بعد ذلك، وهب في الدنيا دين إلا هذا الدين يجعل للعبادات موعدا لا تصح العبادة إلا فيه، و إن أخلفه المتعبد دقيقة واحدة بطلت العبادة؟ إن الصوم شرع لتقوية البدن، و إذاقة الغني مرارة الجوع حتى يشفق على الفقير الجائع، و كل ذلك بتحقق في صوم اثنتي عشر ساعة، و اثنتي عشر ساعة إلا خمس دقائق، فلماذا يبطل الصوم إن أفطر الصائم قبل المغرب بخمس دقائق، أليس (و الله أعلم) لتعليمه الدقة و الضبط و الوفاء بالوعد؟ و لماذا تبطل الصلاة إن صليت قبل الوقت بخمس دقائق؟

و الحج؟ لماذا يبطل الحج إن وصل الحاج إلى عرفات بعد فجر يوم النحر بخمس دقائق، أليس لأن الحاج قد أخلف الموعد؟

أو لم يجعل الإسلام إخلاف الوعد من علامات النفاق، و جعل المخلف ثلث منافق؟ فكيف نرى بعد هذا كله كثيرا من المسلمين لا يكادون يفون بموعد، و لا يبالون بمن يخلف لهم وعدا؟ أو يتأخر عنه، حتى صار التقيد بالوعد، و التدقيق فيه و الحرص عليه، نادرة يتحدث بها الناس، و يُعجبون بصاحبها و يَعجبون منه. و حتى صارت وعودنا مضطربة مترددة لا تعرف الضبط و لا التحديد.

يقول لك الرجل (الموعد صباحا)، صباحا؟ في أي ساعة من الصباح؟ في السادسة، في السابعة، في الثامنة؟ إنك مضطر إلى الانتظار هذه الساعات كلها. (الوعد بين الصلاتين) و بين الصلاتين أكثر من ساعتين؟ (الوعد بعد العشاء). أهذه مواعيد؟! هذه مهازل و سخريات، لقوم لا عمل لهم، ول ا قيمة لأوقاتهم، و لا مبالاة لهم بكرامتهم!

هذه مواعيدنا و في ولائمنا، و حفلاتنا، وفي اجتماعاتنا الفردية و العامة.

دعيت مرة إلى وليمة عند صديق لي قد حدد لها ساعة معينة هي الساعة الأولى بعد الظهر، فوصلت مع الموعد فوجدت المدعوين موجودين إلا واحدا له عند صاحب الدار منزلة، و تحدثنا و حلت ساعة الغداء و توقعنا أن يدعونا المضيف إلى المائدة فلم يفعل، و جعل يشاغلنا بتافه الحديث، و رائحة الطعام من شواء و قلاء و حلواء، تملأ آنافنا و تصل إلى معدنا الخاوية، فتوقد فيها نارا، حتى إذا اشتد بي الجوع قلت: هل عدلت عن الوليمة؟

فضحك ضحكة باردة و خالها نكتة، فقلت:

- يا أخي جاء في الحديث أن امرأة دخلت النار في هرة.. حبستها، فلا هي أطعمتها و لا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض. و نحن جماعة و هي واحدة، و هي قطة و نحن بشر!

فتغافل و تشاغل، ثم صرح فقال: حتى يجيء فلان.

- قلت: إذا كان فلان قد أخلف الموعد، أفنعاقب نحن بإخلافه؟ و هل يكون ذنبنا أنا كنا غير مخلفين؟

* * *


و الحفلات مثل الولائم، يكتب في البطاقة أنها تبدأ في الساعة الرابعة، و تبدأ في نصف الخامسة. و أعمالنا كلها على هذا النمط، ركبت مرة الطائرة من مطار ألماظة في مصر فتأخرت عن القيام نصف ساعة انتظار راكب موصى به من أحد أصحاب المعالي. و لما ثرنا معشر الركاب و صخبنا طار بنا، فلم يسر و الله ربع ساعة حتى عاد فهبط، فارتعنا و فزعنا و حسبنا أن قد جرى شيء، و إذا العودة من أحل الراكب المدلل صديق صاحب المعالي، و قد تأخر لأنه لم يحب أن يسافر قبل أن يدخل الحمّام، و يستريح بعد الخروج كي لا يلفحه (اسم الله عليه) الهواء البارد، و كنت يومئذ عائدا من رحلة رسمية، فلما وصلت إلى مطار المزة في دمشق وجدت أكثر من مئتي إنسان بينهم مندوب وزير العدل، ينتظرون قدومي في الشمس منذ ساعة كاملة.

و السيارات مثل الطيارات، و الدكاكين و الدواوين، و المقاهي و الملاهي، كل ذلك يقوم على تبديل المواعيد و إخلافها، حتى لم يبق لشيء موعد معروف، فيا أيها القراء خبروني سألتكم بالله، أي طبقة من الناس تفي بالموعد، و تحرص عليه و تصدق فيه، تدقق في إنجازه؟ الموظفون؟ المشايخ؟ الأطباء؟ المحامون؟ الخياطون و الحذاؤون؟ سائقو السيارات؟ من؟ من يا أيها القراء؟ 

يكون لك عند الموظف حاجة لا يحتمل قضاؤها خمس دقائق، فتجيئه و هو يشرب القهوة، أو يقرأ الجريدة، أو يشغل نفسه بما لا طائل تحته، فيصّد فيك بصره و يصوبه، و يقومك بعينه، فإن أنت لم تملأها، و لم تدفعه لمساعدتك رغبة فيك، أو رهبة منك قال لك: ارجع غدا. فترجع غدا، فيرجئك إلى ما بعد غد. لا أعني موظفا بعينه، و لا عهدا بذاته، بل أصف داء قديما سرى فينا و استشرى، و دخل و تغلغل..

و يكون لك موعد مع الشيخ، فيجيئك بعد نصف ساعة، و يعتذر لك، فيكون لاعتذاره متن و شرح و حاشية، فيضيع عليك في محاضرة الاعتذار نصف ساعة أخرى. و إن دعوته الساعة الثانية جاء في الثالثة. و إن كان مدرسا لم يأت درسه إلا متأخرا.

و الطبيب يعلن أن العيادة في الساعة الثامنة و لا يخرج من داره إلى العاشرة، و تجيئه في الموعد فتجده قد وعد خمسة من المرضى مثل موعدك، و اختلى بضيف يحدثه حديث السياسة و الجو و الكلام الفارغ، و تركهم على مثل الجمر، أو على رؤوس الإبر، ينتظرون فرج الله، حتى يملوا فيلعنوا الساعة التي وقفوا بها على باب الطبيب، و يذهبون يفضلون آلام المرض على آلام الانتظار، و يؤثرون الموت العاجل المفاجئ على هذا الموت البطيء المضني.

أما الخياطون و الخطاطون، و الحذّاؤون و البنّاؤون، و أرباب السيارات، و عامة أصحاب الصناعات، فإني أشهد أن لا إله إلا الله و أنهم من أكذب خلق الله، و أخلفهم لوعد. الكذب لهم دين، و الحلف عادة، و لطالما لقيت منهم، و لقوا مني، و ما خطت قميصا و لا حلة، و لا صنعت حذاء، و لا سافرت في سيارة عامة سفرة، و لا بعثت ثوبا إلى مصبغة لكيّه أو غسله أو تنظيفه، إلا كووا أعصابي بفعلهم، و شويتهم بلساني، و إن كان أكثرهم لا يبالي و لو هجاه الحطيئة أو جرير أو دعبل الخزاعي، بل إنهم ليفخرون بهذه البراعة في إخلاف المواعيد، و التلاعب بالناس، و يعدونها مهارة و حذقا.

فمتى يجيء اليوم الذي نتكلم فيه كلام الشرف، و نعد وعد الصدق، و تقوم حياتنا فيه على التواصي بالحق لا يعد فيه المرشح وعدا إلا و فى به بعد أن يبلغ مقاعد البرلمان، و لا يقول الموظف لصاحب الحاجة إني سأقضيها لك إلا إذا كان عازما على قضائها، و لا الصانع بإنجاز العمل إلا إذا كان قادرا على إنجازه، و الموظفون يأتون من أول وقت الدوام و يذهبون من آخره، و الأطباء لا يفارقون المكان ساعات العيادة، و الخياط لا يتعهد بخياطة عشرة أثواب إن كان لا يستطيع أن يخيط إلا تسعا، و تمحى من قاموسنا هذه الأكاذيب. تقول لأجير الحلاق: أين معلمك؟ فيقول، إنه هنا، سيحضر بعد دقيقة، و يكون نائما في الدار لا يحضر إلا بعد ساعتين.

و يقول لك الموظف: من فضلك لحظة واحدة. فتصير لحظته ساعة. و متى تقوم حياتنا على ضبط المواعيد و تحديدها تحديقا صادقا دقيقا، فلا يتأخر موعد افتتاح المدارس من يوم إلى يوم و يتكرر ذلك كل سنة، و لا يرجأ موعد اجتماع الدول العربية في الجامعة من شهر إلى شهر، و لا تعاد في تاريخنا مأساة فلسطين التي لم يكن سببها إلا إهمال ضبط المواعيد و إخلافها. و لو أنا حددنا بالضبط موعد القتال، و موعد الهدنة، و جئنا (أعني الدول العربية) على موعد و اتفاق لكان لنا في تاريخ فلسطين صفحة غير التي سيقرؤها الناس غدا عنا.

إن إخلاف الموعد الصغير، هو الذي جرّ إلى إخلاف هذا الموعد الكبير. فلنأخذ مما كان درسا؛ فإن المصيبة إذا أفادت كانت نعمة. و متى صلحت أخلاقنا، و عاد لجوهرنا العربي صفاؤه و طهره، و غسلت عنه الأدران، استعدنا فلسطين، و أعدنا ملك الجدود.

فابدؤوا بإصلاح الأخلاق، فإنها أول الطريق.

قراءة 2004 مرات آخر تعديل على الإثنين, 06 تموز/يوليو 2015 15:31

أضف تعليق


كود امني
تحديث