صادفت زيارتنا لإحدى مدارس الجمعية رفقة مستشارة توجيه مدرسي من أجل الاقتراب أكثر من انشغالات المربيات فيما يخص الأطفال و طرق التعامل معهم، صادفت وجود الأمهات لاصطحاب أبنائهن فكانت لنا دردشة مفيدة معهن .. كانت إحدى الأمهات مهتمة جدا لأنها تحمل هم ابنتها التي لا تريد الدراسة و لم تتعلم لحد الآن الكتابة و القراءة و ظلت تقول ابنتي لا تقرأ .. و ظلت المستشارة بدورها طوال الوقت تقنعها بأن تعدل عن هذه الكلمات لأن طفلتها ليست في مرحلة الدراسة، و حين سألتها عن سبب تخوفها قالت أنّ كثافة الدروس في السنة الأولى تجبرها بأن تحرص على تعليم ابنتها الكتابة و القراءة و أن تكون تعرف كل شيء حين تلتحق بالمدرسة حتى تواكب الدروس ..
طبعا هذه عينة من أمهات كثيرات لديهن نفس الاعتقاد و نفس المخاوف و نفس الضغوطات التي تمارسنها على أطفالهن، و هذا خطأ جسيم .. فالطفل في مراحله الأولى يحتاج لحضن أمه و حنانها و حبها و اهتمامها و رعايتها، و في سن ما بعد الثالثة إلى الرابعة إلى الخامسة تبدأ ملامح رغبته في تكوين شخصيته التي ترتكز أساسا على حب الاستكشاف و الحاجة للتواصل مع أقرانه، و كل هذا قد تكفله دور الحضانة و رياض الأطفال و نوادي الطفل و المدارس القرآنية في جو آمن و يتوفر على بعض الإمكانات التي تحقق له ذلك .. فهي توفر له الاندماج السلس مع أقرانه و تطوير مهارات التواصل عنده مع مجتمع غير مجتمعه الصغير المكون من والديه و إخوته و أقاربه، كما أنها تكسبه مهارات تناسب سنه كتعلم النظافة و النظام و النطق السليم للحروف و الكلمات و التحكم في الحواس، و هذا يمهده ليكتسب بعد ذلك بقليل معارف يحتاجها في محيطه القريب و التي يتعامل معها و بها كل يوم .. كل هذا يتعلمه و يكتسبه بطرق و أساليب محببة و مسلية و بعيدة عن الشكل الأكاديمي الذي يتصوره الكثير من الأولياء و المربين .. مثلا سيتعلم الألوان من ألوان لعبه و سيتعلم العد في ممارستة للحركات الرياضية و سيتعلم أيام الأسبوع بأنشودة و سيتعلم الكثير دون أن يقرأ .. أو بتعبير أدق دون أن نضغط عليه بأن نرغمه على القراءة بالكراسة و القلم .. حتى لا يمل الطفل و يكره مفهوم الدراسة قبل أن يصل لسنها و يدخل أقسامها .. و المرحلة أصلا اصطلح عليها بما قبل التمدرس أي أن الطفل ليس في مرحلة دراسة و هذا الذي يجب أن يدركه الجميع أولياء و مربين ليتعاملوا مع الطفل و مع ما يعطونه إياه على أساسه ..
و رسالتي للأولياء أن يفهموا بأن بين أيديهم كنز عظيم، هو مشروع طفل مميز يكون له شأن في قابل أيامه إن تكونت لديه شخصية سوية متزنة، و هذا يعتمد على طريقة التربية و التعامل معه في البيت و في محيطه الخارجي، لذلك على الوالدين أن يخففوا الضغط عن أبنائهم، و يتركوا لهم مجالا للاستمتاع بمراحل حياتهم و أخذ كفايتهم من اللعب و اللهو الطفولي مع أقرانهم، و بأن يتركوا لهم متسعا من الحرية في اكتساب مهاراتهم و اكتشاف ذواتهم و قدراتهم و توظيفها بما يناسب سنهم .. بشكل بسيط و سلس و أساليب تربوية نافعة و طرق راقية لا تقتل فيهم طفولتهم و لا تسلبهم حقهم في النمو الطبيعي و المرحلي .. كل ما عليهم هو أن يوفروا لهم لدى عودتهم للبيت كل الحب و الحنان و المرافقة الممتعة و الرعاية الكاملة و التواصل المستمر ..