( و من الحب ما قتل) لم يكن في ذهن الشاعر و هو الأصمعي أن جرعة الحب التي نعطيها لأبنائنا أثناء تربيتهم إذا زادت عن حدها المعقول فإنها تقتلهم و تدمرهم أيضا، فقد دخلت علي امرأة تشتكي من عناد زوجها و تسلطه و كثرة عصبيته و صراخه خاصة إذا لم يستجاب لأمره ، فلما بحثت في الأسباب عرفت أنه وحيد أمه من الذكور، و كان لا يرد له طلبا عندما كان طفلا، فكان حبها الزائد له دمر شخصيته و أخلاقه.
و لو أنها عرفت كيف توازن بين (الحب) و (الحزم) لما كانت عشرته الآن جحيما، و قد يظن كثير من الآباء و الأمهات أن الحزم يناقض الحب، و الصواب فإن الحزم من الحب، فإذا كانت ال (حب) كلمة من حرفين ، فإن ال (حزم) كلمة من ثلاثة حروف، و كأن الحرف الثالث يقول لنا لا بد من زيادة جرعة الحزم علي الحب أثناء التربية، و قد جمعت في هذا المقال ستة أنواع من الحب المدمر التي عشتها شخصيا ، لكثير من القصص و الحالات التي تعرض عليه و هي علي النحو التالي :
1 الخوف الدائم : إن شدة الخوف علي الأبناء حتي يصل الخوف لدرجة الوسواس يدمر شخصيتهم و يمحوها من الوجود ، و يتحول الطفل إلي آلة تمشي بالبطارية، لأنه تم الغاء عقله و وعيه بسبب شدة خوف أمه أو أبيه عليه، سواء كان الخوف من الظلام أو الحشرات أو الأصدقاء أو الحي أو التكنولوجيا أو أي مصدر آخر.
2-الإستجابة لرأيه : يخاف كثير من الآباء و الأمهات الضغط علي أبنائهم عندما يكون الأمر لمصلحتهم ، مثل الإشتراك بنادي رياضي أو حضور حلقة تحفيظ للقرآن أو غيرها، و يستجيبون لأبنهم إذا رفض الحضور و المشاركة بحجة الخوف علي نفسيته و صحته، فيتحول الطفل إلي أن يكون هو المربي لوالديه و هو المدير لهما، فيقودهم حيث يشاء و يشتهي، فيتحول لشخصية مغرورة متكبرة لا يسمع لأحد و لا يأخذ رأي أحد و لو كان والديه.
3- اللباس و التغذية : كثير من الآباء و الأمهات يستمرون في اختيار اللباس لأبنائهم إلي عمر متقدم، و بعضهم يعتقد أنه كلما وفر الطعام لطفله كلما عبر عن حبه أكثر، فتجده دائما يعلف ابنه و كأنه الطفل خلق ليأكل فقط، و في الحالتين فإننا نخرج طفلا ضعيف الشخصية لا يحسن اتخاذ القرار حتي في ملابسه، و لا يحسن التعبير عن حاجاته لأننا نوفر له الطعام دائما و هذه من السلوكيات التي تدمر شخصيتهم.
4-التدليل الزائد : من المبادرات الخاطئة و إن كان الدافع حبا كثرة الإغداق علي الطفل بالهدايا و العطايا، و حل الواجبات المدرسية نيابة عنه، و سرعة التصرف لعلاج المشاكل التي تواجهه بالحياة، فإن هذه السلوكيات توجد في الطفل أربع صفات : الأولي يكون طماعا، و الثانية أنانيا، و الثالثة لا يتحمل المسؤولية، و الرابعة دائما يريد أن يحصل علي ما يريد من غير بذل جهد أو تعب.
5- حبسه بالبيت : الخوف أحيانا يقود الأمهات و الآباء لحبس أبنائهم في البيت بين أربعة جدران، فلا يلعب مع أحد في الخارج، و إذا طلب الإشتراك بنادي رياضي أو اسطبل خيل أو سباحة أو مراكز علمية أو ثقافية يمنع بحجة أنهم يخافون عليه من التأثر بالآخرين، و هذا من الخوف المدمر لشخصية الطفل.
6- تعويض التقصير : في كثير من الحالات مرت علي بدافع التعويض عن التقصير الذي يشعر به بعض الآباء و الأمهات بسبب ظرف العمل أو الطلاق أو الغياب عن البيت و كثرة السفر ، فإن الوالدين يكون لديهم ردة فعل قوية بدافع الحب فيعوضان تقصيرهم بالإستجابة لكل طلبات الأبناء مما يسبب افسادهم تربويا.
فقد عرضنا ستة حالات للحب المدمر و عكسها هو الإهمال المدمر للأبناء و تفويض الآخرين بالتربية، فالخوف علي الأبناء مطلوب و لكن لا بد أن يكون متزنا و يرافقه الحزم، و قد ذكر الخوف في القرآن 124 مرة، و له سبعة معان مفصلة في كتاب الله تعالى، و لكن ما يهمنا هنا (الخوف التربوي) و الذي يؤدي لضعف شخصية الأبناء، و لهذا عندما تحدث القرآن عن خوف الأمهات تجاه أبنائهم، أوصاهم الله تعالي بضبط مشاعر الخوف إذا كان التنفيذ لأمر الله تعالي، و ضرب الله لنا مثلا في قصة أم موسي عندما قال تعالي (و أوحينا إلي أم موسي أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم، و لا تخافي و لا تحزني إنا رادوه إليك و جاعلوه من المرسلين ) فنلاحظ هنا كلمة (الخوف) وردت مرتين، الأولي (فإذا خفت عليه) ، و الثانية (فلا تخافي)، ففي الأولي يثبت الله أن مشاعر الخوف أمر طبيعي من الوالدين تجاه الأبناء، و في الثانية يعلمنا الله كيف ندير مشاعرنا و مخاوفنا لنحسن تربية أبنائنا حتي لا يكون الخوف مدمرا لهم، و المنطق يقول أن أم موسي إذا خافت علي طفلها الرضيع فإنها تضعه بمكان آمن علي الأرض أو عند أحدي العوائل لكي تخفيه، و لكن الغريب في الأمر أن الله أمرها بأن تقذفه في مكان لا يتصور أحد أنه سينجوا منه و هو البحر حتي يعطينا الله درسا في تربية الأبناء بأننا كلما أتبعنا أوامر الله في تربية أبنائنا كلما حفظ الله الأبناء كما حفظ موسي عليه السلام من الغرق عندما كان رضيعا و حفظه من الغرق مرة أخري عندما كبر و تبعه فرعون و جنوده.
http://www.drjasem.com/articalDetailesView.aspx?id=257
*بتصرف