دخل علي يشتكي من زوجته و بدأ حديثه معي بقوله : أنا عصبي و سريع الغضب و زوجتي لا تفهمني و لا تحسن التعامل معي، ثم بدأ يشرح لي قصة حياته من يوم زواجه إلى لحظة عرض المشكلة الأسرية علي، فسألته في ختام حديثه : كيف تريدني أن أساعدك ؟ قال : أن تكلم زوجتي لتحسن معاملتي وقت الغضب.
قلت له : حسنا و لكن هل تسمح لي أن أكلمك أولا ؟ فرد علي : نعم تفضل، قلت له : عندما تصف نفسك بأنك عصبي و سريع الغضب فكأنك تحكم على هذه الصفة بأنها لازمة لك و لا تستطيع التخلص منها، و كلامك هذا خطأ لأن السلوك صفة مكتسبة للإنسان، و بيدك أن تتخلص من أي سلوك لو أردت.
دعني أشرح لك أمرا مهما عن الغضب، إن في الإنسان خمسة مشاعر أساسية تتفرع منها مشاعر ثانوية و الخمسة هي : (الغضب و الحزن و الخوف و الفرح و الحب)، و كلها مشاعر يحتاجها الإنسان و كل شعور له جانب سلبي و إيجابي، و منها الغضب فعندما تقول لي أنا عصبي فإنك تصف مشاعر الغضب بأنها سلبية دائما و بإمكانك أن تجعل غضبك إيجابيا فتستفيد منه.
فنظر إلي مستغربا و قال : كيف ذلك ؟ قلت له : فعندما تتعرض لتهديد أو سرقة أو عدوان لا قدر الله أو تنتهك حرمة الله ففي هذه الحالات يكون غضبك إيجابيا، أما عندما تغضب على زوجتك و أبنائك كل يوم حتى صاروا يهربون منك، و من الجلوس معك أو الحديث إليك كما ذكرت فهذا هو الغضب السلبي، عليك أن تنتبه لنفسك و تتعلم حسن إدارة مشاعرك.
حاول .. و تدرب أن تسيطر على عصبيتك من خلال ضبطها، فإذا شعرت بالغضب السلبي غير جلستك أو قم فتوضأ وصلِّ ركعتين أو غير مكانك حتى تهدأ نفسك، و لا تقل هذا طبعي و أنا عصبي أو الطبع يغلب التطبع فهذه العبارة صحيحة لمن لا يسعى لتغيير طبعه، و كذلك هي صحيحة في عالم الحيوان و ليس في عالم الإنسان، فأنت لديك إرادة و عقل تستطيع أن تميز و تحكم على الأشياء و تعرف ما يضرك و ما ينفعك، كما لديك القدرة على تغيير سلوكك و طبعك و لو تجاوز عمرك السبعين عاما.
ثم دعني أخبرك شيئا مهمّاً، هل تعلم أن الغضب هو الأصل لمشاعر ثانوية أخرى تخرج منه ! فالغضب ينبثق منه الكراهية و الشعور بالمرارة و الاستياء و الغيرة الشديدة و الاشمئزاز و العنف بل و حتى الحسد لا يخرج إلا من النفوس الغاضبة، و لهذا كرر رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم ثلاث مرات ناصحا أحد الصحابة بقوله : لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب. فهذا منهج عظيم في إدارة المشاعر، فالغضب هو أساس الأمراض الصحية و هو كذلك أساس الخسارة في العلاقات الاجتماعية و كراهية الناس لك و بعدهم عنك.
قال : و الله كأنك تعيش معي و أنت تتكلم هذا الكلام، ثم نظر إلي و قال : أنا قررت أن أضبط سلوكي و أحسن إدارة مشاعر الغضب عندي، و لكن هل يعني ذلك أنك لن تكلم زوجتي ؟ قلت له : إن شئت أن أكلمها فلا مانع لدي، و لكني أرى المشكلة فيك و ليست في زوجتك، فما رأيك أن تذهب الآن لتعمل بما ذكرته لك و نسمع أخبارك بعد شهر ثم تقرر إذا كنت تريدني أن أكلم زوجتك أم لا ؟
فاتفقنا و ذهب ثم عاد بعد شهر و قال : شكرا لك، و لاداعي لحديثك مع زوجتي، فابتسمت و قلت له و كيف حالك الآن ؟ قال : خلال الشهر عشت الآية الكريمة (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، قلت له مازحا : و الآن أنصحك أن تؤسس جمعية (لا للغضب ) الخيرية، فضحك و ضحكت.
إن الغضب جمرة من الشيطان و نحن بحاجة لأن نتعلم كيف ندير مشاعرنا و نتحكم بها من خلال التربية البيتية و التعليم المدرسي و التدريب الوظيفي و التوعية الإعلامية و المنابر الوعظية، حتى نعيش متوازنين نفسيا و سعداء اجتماعيا و سلوكيا.
http://www.drjasem.com/articalDetailesView.aspx?id=48